: بسم الله الرحمن الرحيم
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم ، يدعون من ضلَّ إلى الهدى ، ويصبرون منهم على الأذى ، يحيون بكتاب الله الموتى ، ويبصرون بنور الله أهل العمى . فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه ، وكم من ضال تائه قد هدوه ، فما أحسن أثرهم على الناس ، وأقبح أثر الناس عليهم . ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، الذين عقدوا ألوية البدعة ، وأطلقوا عقال الفتنة ، فهم مختلفون في الكتاب ، مخالفون للكتاب ، مجمعون على مفارقة الكتاب ، يقولون على الله ، وفي الله ، وفي كتاب الله بغير علم ، يتكلمون بالمتشابه من الكلام ، ويخدعون جهال الناس ، بما يشبهون عليهم . فنعوذ بالله من فتن المضلين (**) . وبعد ..
أخرج إمام المحدثين أبو عبد الله البخارى من حديث الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ : أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ، فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنَ الْحَجَّاجِ ، فَقَالَ : اصْبِرُوا فَإِنَّهُ لا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ ، حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ ، سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وأخرج الإمام أحمد بإسنادٍ يُحَسَّنُ بشواهده عن مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِنَّ أَمَامَ الدَّجَّالِ سِنِينَ خَدَّاعَةً ، يُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ ، وَيُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ ، وَيَتَكَلَّمُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ ، قِيلَ : وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ ؟ ، قَالَ : الْفُوَيْسِقُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ )) .
وقد ربى زمانُنا على سائر الأزمنة ، فقد كثُر دعاةُ الفتن ورؤوسُ الضلال ؛ وهم دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا ، ألسنتهم أحلى من العسل ، وقلوبهم قلوب ذئاب ، ذباب طمعٍ وخداع ، وجراد دمار وخراب ، خرجوا على أهل الإيمان ، وأجلبوا عليهم بكُلِّ قَوْلٍ مُبْتَدَعٍ ، وَرَأْيٍ مُخْتَرَعٍ ، وَهَوىً مُتَّبَعٍ ، أَقْوَالُهُمْ رَدِيئَةٌ ، وَمَذَاهِبُهم سَيِّئَةٌ ، وأصولهم مُبْتَدَعَةٌ ، تُخْرِجُ أَهْلَهَا عَنْ اَلدِّينِ ، وَمَنِ اِعْتَقَدَهَا عَنْ جُمْلَةِ اَلْمُسْلِمِينَ .
حقيقتهم كما قال إمام السنة وناشر أصولها ابن بطة العكبرى : (( يَقُولُونَ عَلَى اَللهِ مَا لا يَعْلَمُونَ ، وَيَعِيبُونَ أَهْلَ اَلْحَقِّ فِيمَا يَأْتُونَ ، وَيَتَّهِمُونَ اَلثِّقَاتِ فِي اَلنَّقْلِ ، وَلا يَتَّهِمُونَ آرَاءَهُمْ فِي اَلتَّأْوِيلِ ، قَدْ عَقَدُوا أَلْوِيَةَ اَلْبِدَعِ ، وَأَقَامُوا سُوقَ اَلْفِتْنَةِ ، وَفَتَحُوا بَابَ اَلْبَلِيَّةِ ، يَفْتَرُونَ عَلَى اَللهِ اَلْبُهْتَانَ ، وَيَتَقَوَّلُونَ فِي كِتَابِهِ بِالْكَذِبِ وَالْعُدْوَانِ ، إِخْوَانُ اَلشَّيَاطِينِ ، وَأَعْدَاءُ اَلْمُؤْمِنِينَ ، وَكَهْفُ اَلْبَاغِينَ ، وَمَلْجَأُ اَلْحَاسِدِينَ .
لَهُمْ كُتُبٌ قَدْ اِنْتَشَرَتْ ، وَمَقَالاتٌ قَدْ ظَهَرَتْ ، لا يَعْرِفُهَا اَلْغُرُّ مِنْ اَلنَّاسِ ، وَلا النَّشْءُ مِنْ اَلأَحْدَاثِ ، تَخْفَى مَعَانِيهَا عَلَى أَكْثَرِ مَنْ يَقْرَؤُهَا ، فَلَعَلَّ اَلْحَدَثَ يَقَعُ إِلَيْهِ اَلْكِتَابُ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ اَلْمَقَالاتِ ، قَدْ اِبْتَدَأَ اَلْكِتَابَ بِحَمْدِ اَللهِ ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ، وَالإطْنَابِ فِي اَلصَّلاةِ عَلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِدَقِيقِ كُفْرِهِ ، وَخَفِيِّ اِخْتِرَاعِهِ وَشَرِّهِ ، فَيَظُنُّ اَلْحَدَثُ اَلَّذِي لا عِلْمَ لَهُ ، وَالأَعْجَمِيُّ وَالْغُمْرُ مِنْ اَلنَّاسِ ، أَنَّ اَلْوَاضِعَ لِذَلِكَ اَلْكِتَابِ ؛ عَالِمٌ مِنْ اَلْعُلَمَاءِ ، أَوْ فَقِيهٌ مِنْ اَلْفُقَهَاءِ ، وَلَعَلَّهُ يَعْتَقِدُ فِي هَذِهِ اَلأُمَّةِ مَا يَرَاهُ فِيهَا عَبْدَةُ اَلأَوْثَانِ ، وَمَنْ بَارَزَ اَللهَ ، وَوَالَى اَلشَّيْطَانَ )) اهـ .
ولا مناص لمن يريد لنفسه الصيانة ، ولدينه العصمة ، ولدنياه الأمن والاطمئنان ، ولأخرته الفوز بالجنان ، أن يتعلم أصول السنة والديانة ، وأن يجانب هؤلاء المبتدعة ، فلا يجالسهم ، ولا ينظر فى كتبهم ، ولا يستشهد بأرآئهم ، لما علم من شرور مذاهبم ، وخروجهم عن منهاج أهل السنة والجماعة .
وهذا (( كِتَابُ الشَّرْحِ وَالإِبَانَةِ عَلَى أُصُولِ السُّـنَّةِ وَالدِّيَانَةِ )) للإمام ناصر السنة وناشر أصولها أبى عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن بطة العكبرى كاملاً مشكولاً محرَّراً ، نسخة pdf .
وكتبه أبو محمد الألفى السكندرى
الإسكندرية فى الثامن من شعبان سنة 1415هـ
****** هامـش ******
(**) مقدمة الإمام المبجَّل أحمد بن حنبل لكتابه (( الرد على الزنادقة والجهمية )) .