بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،
وبعد :
فإن فقدَ الرجل من أهل السنة مصيبة، كما
قال أيوب - رحمه الله-:" إنه ليبلغني موت الرجل من أهل السنة فكأني أفقدُ بعض
أعضائي".
فكيف إذا كان ذلك الرجلُ عالمًا بصيرًا
بالسنة منافحاً عنها ذابَّـاً عن حياضها رادًّا للأهواء والبدع، وهؤلاء هم من أقل
الناس والله المستعان.
ومنهم شيخنا العلامة أحمد بن يحيى
النجمي نحسبه كذلك والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدًا.
فرحمه الله وغفر له، لقد كان من أعلام السنة
وأنصار الملة، ففي حياته عبرة، وفي موته عبرة، ومن ذلك :
أولاً: إن ما أجراه الله من
الخير ونشر السنة على يد الشيخ هو من توفيق الله له، وقد جعل له أسبابًا من أهمها :
العلم؛ فإن الله يرفع بهذا العلم أقوامًا وينصر بهم دينه؛ فعلى الشباب السلفي
الاجتهاد في طلب العلم الشرعي، وحفظ المتون، ومدارسة الكتاب والسنة؛ فإن الداعي
إلى التوحيد والسنة لا بد له من علم يؤيد ما معه من حق، ويكشف الشبهات التي يثيرها
أهل الأهواء.
وليعلم شبابنا : أن الحماسة وحدها
لا تكفي، فليكن في موت شيخهم عبرة؛ فيجتهدوا في طلب العلم وتحصيله، ولا يكن طلبهم
للعلم في مدة أسبوع أو أسبوعين من السنة، لا بل العام كله دورات علمية ودروس شرعية
وتحصيل للعلم النافع .
ثانيًا: الدعوة السلفية لا تبقى - بإذن الله- إلا بالعلم، كما فعل
الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب حيث اجتهد في التعليم والتفقيه؛ فلما مات خلفه
تلامذته، ونصروا دعوته، وكذلك الشيخ القرعاوي – رحمه الله- وهو امتداد
لدعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب، خلَّف تلامذته الذين حملوا راية السنة من
بعده كشيخ شيوخنا حافظ الحكمي، وشيخنا أحمد النجمي رحمهما الله، وشيخنا زيد
المدخلي – أعزه الله- .
ألا فاعلموا أنه لن يصبر ولن يبقى على سبيل
الدعوة السلفية إلا أهل العلم وطلابه؛ فكونوا منهم، واسلكوا سبيلهم.
ثالثًا: أحبَّ السلفيون شيخنا
النجمي لما له من صفات حسنة، ومنها:«الرفق بأهل السنة»، فقد كان رفيقًا بإخوانه وطلابه، وكان بيته مأوى لأهل السنة
وطالبي العلم والفُتيا، وكان يرفع همم أبنائه ويرغبهم في نصرة السنة والدفاع عنها،
وقد رأيت ذلك في تعامله معي، فقد كان الشيخ كريمًا لا يرد طالب العلم، رفيقًا
رحيماً، فقد زرته في بيته وطلبت القراءة عليه فأذن دون تردد، فقرأت عليه أحد شروحه
في العقيدة، ولما قدم إلى الرياض طلبت منه أن أقرأ عليه ألفية السيرة النبوية
للحافظ العراقي فأذن رحمه الله، ولما طلبت منه أن يجيزني كتب لي إجازة ضمَّنها من
الثناء على تلميذه والتشجيع والترغيب في نصرة السنة، ولما رغبت في تقديمه لكتابي «جامع المناسك» بادر رحمه الله وكتب
مقدمة حسنة، وكان يبلغني ثناؤه ورضاه عن الأشرطة والخطب والمقالات التي أخرجتها في
بيان منهج أهل السنة، والرد على مخالفيها، فضلاً عما نراه في مجالسه من إكرام ورفق
بجلسائه، وإنما ذكرت هذه الأمور - وغيرها
كثير- لأدلل بها على هذه الصفة الجليلة التي كان عليها شيخنا «الرفق بأهل السنة»، فقد رأيت ذلك منه قولاً وعملاً، لا مجرد دعوى !
رابعًا: منهج الشيخ النجمي
معتدل بحمد الله، فقد كان يجمع بين العلم الشرعي من حديث وفقه وتفسير وتوحيد وغير
ذلك، وبين العلم بالأحزاب والفرق المعاصرة المخالفة، وكان يعلِّم ويفقه ويدرس، وفي
الوقت ذاته يرد على تلك الأحزاب والفرق
المخالفة، والجمع بين الأمرين هو المطلوب، وهو منهج أئمة السنة وعلماء الملة، وبه
ارتفع الشيخ النجمي على كثير من أقرانه، فما يفعله بعض إخواننا من الاقتصار على
العلم الشرعي مع تقصد الإعراض عن تعلم ما عليه الفرق المعاصرة للرد عليها ونصرة
السنة .. إن لهذا والله لنقص مذموم !!
والعجب أن هؤلاء
يقولون:
نطلب العلم وسنعرف هذه الفرق!؟ مع أنهم يتقصدون الإعراض عن الكلام فيها وقراءة ما
كتبه أهل العلم-كالشيخ النجمي- عنها، ويكرهون الكلام فيها، ثم يزعمون أنهم على «منهج الشيخ ابن باز»، وهذا محض افتراءٍ
وتلبيس، والشيخ ابن باز بريء منهم، فقد كان هو وبقية أهل السنة كالشيخ النجمي
يردون على هذه الفرق والحزبيات حتى جلَّوا أمرها وقاموا بما أوجب الله عليهم من
البلاغ المبين، ومشايخنا بُرآء من هؤلاء «المذبذبين» الذين لا ندري والله
هم مع أهل السنة أو عليهم ؟!
وقد بيَّن شيخنا النجمي
فساد هذا المنهج المُلبِّس في كتابه «الرد الشرعي المعقول
على المتصل المجهول» ووضح فيه منهج علمائنا
الأكابر : الجمع بين العلم الشرعي والعلم بالفرق والمناهج المخالفة ..
وعاقبة أولئك المعرضين
عن تعلم ما الناس عليه اليوم من أهواء وحزبيات.. عاقبتهم : التخبط
والتكلم في هذه المسائل – إذا اضطروا- بلا علم، ومصادمة أهل السنة، وخلط الحق
بالباطل، فأضاعوا أنفسهم : لم يرض عنهم الحزبيون ولا يستسيغهم السلفيون، هذه
الطائفة الأولى.
أما الطائفة الثانية: فقد زهد أهلها في العلم
الشرعي، وتدارس الكتاب والسنة، وحفظ متون العلم، ولم يصبروا على مشقة التعلم، وطاب
لهم القيل والقال بدعوى نصرة السنة !، فتراهم – وهم ليسوا من علماء الجرح
والتعديل- يتجرؤن في مجالسهم على الكلام في المسائل الكبار، والتبديع والإخراج من
السنة، ويجدون للكلام في الناس حلاوة.. لكنهم ليسوا من أهل هذا الشأن !
فنصيحتي
لهم : أن يتركوا الكلام في الأشخاص لمشايخنا الكبار؛ الذين لهم معرفة ودراية
بالرجال والمناهج والفرق، وليشتغلوا هم بطلب العلم والجلوس في حلقه.. وليسألوا
العلماء عن هذا الذي يصنعونه : هل يمكَّن عامة الشباب منه بدعوى نصرة السنة ؟!
لقد ضيع هؤلاء ما أُمروا به (طلب العلم
والفقه في الدين)، واشتغلوا بما لم يؤمروا به (الكلام في المسائل الكبار)؛ فأضروا
بسمعة الدعوة السلفية – وهم يُحسبون من أبنائها-، فرحم الله من عرف قدره، وحدَّه
فوقف عنده.
ورحم الله شيخنا العلامة المجاهد أحمد بن
يحي النجمي فقد كان إمامًا في السنة، في حياته عبرة وفي موته عبرة .. (وربك يخلق
ما يشاء ويختار).
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه .. وصلى الله
وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
كتبه
سلطان بن عبد الرحمن العيد
25/7/1429هـ
sultanal3eed.com