الحمد لله رب العالمين،
أما بعد:
فامتثالاً لقول الله تعالى:
{فاسألوا أهل الذكر إن كنتم
لا تعلمون} ولقوله تعالى:
﴿وتلك الأمثال نضربها للناس
وما يعقلها إلا العالمون﴾.
نتوجه بهذا السؤال لفضيلة الشيخ/ يحيى بن علي
الحجوري حفظه الله وهو كما يلي:
السؤال:
ظهرت الآن في كثير من مناطق البلاد اليمنية، مدارس تسمى محو الأمية، يُدرسون فيها
النساء، وغالبًا أن المدرسين يكونون رجالاً يدرسون نساءً شابات أو مراهقات أو نحو
ذلك، فيحصل الاختلاط والنظر والله أعلم ماذا يحصل غيره الآن أو في المستقبل، ونحن
في بلاد بني قيس -حاشد- نعاني من هذا جدًا، فنرجوا منكم يا فضيلة الشيخ أن تبينوا
لنا الحكم الشرعي في هذا العمل، ومسئولية الآباء تجاه أبنائهم وبناتهم؟، وجزاكم
الله خيرًا.
الجواب وفقنا الله
وإياكم لكل خير: إن هذه الدراسة الاختلاطية منكر من المنكرات التي لا فلاح لهذه
الأمة إلا بإنكارها، قال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ}[آل عمران:104] وإنكار
المنكر من صفات المؤمنين، قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ
يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ
وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ
اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:71].
ولقد لعن الله أمةً من بني
إسرائيل على ترك واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال تعالى:
{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا
مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا
عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ
لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78-79]،
فإنكار المنكر نجاة، وعدم
ذلك مسخ وهلكة، قال تعالى عن أصحاب السبت: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا
الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ
بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ
قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [الأعراف:165-166]، وأخرج البخاري في «صحيحه» من حديث النعمان بن
يشير رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها: كمثل
قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها
إذا استقوا، مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا؛ ولم نؤذِ من
فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا، هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم، نحوا ونجوا
جميعًا»، فيجب إنكار هذه الدراسة
الاختلاطية بين الرجال والنساء غير المحارم، لقول الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً
فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب:53] وهذا الخطاب شامل لجميع المؤمنين، وفي «الصحيحين» من حديث عقبة بن
عامر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: «إياكم والدخول على
النساء» فقال رجل من الأنصار: يا رسول
الله أفريت الحموا؟ قال: «الحموا الموت»، والحمو
قريب الزوج وقد قيل عنه الموت فكيف بغيره؟!.
ولأن من منكرات الاختلاط
نظر الرجال والنساء الأجانب بعضهم إلى بعض، وربنا سبحانه وتعالى يقول:
{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ
يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ
إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ
أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا
ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ
زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ...} الآية، [النور:31] ويقول تعالى:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ
مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب:59] وثبت في «صحيح مسلم» من حديث جرير بن عبد اللهرضي الله عنه، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن نظرة
الفجأة ققال: «اصرف
بصرك» وقال النبي صلى الله عليه و سلم:
«أعطوا الطريق
حقه» قالوا: وما حق الطريق يا رسول
الله؟ قال: «غض البصر، وكف
الأذى، ورد السلام، ولأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر» متفق عليه، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وفي «الصحيحين»
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه و سلم:
«من اطلع على بيت قوم بغير
إذنهم فقد حل لهم أن يفقؤوا عينه» وفي
«الصحيحين» من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه و سلم:
«إنما جعل الاستئذان من
أجل البصر».
وإنما شرع النظر إلى
المخطوبة لما ثبت في «صحيح مسلم» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كنت عند
النبي صلى الله عليه و سلم فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار فقال له
رسول الله صلى الله عليه و سلم: «أنظرت إليها؟» قال: لا،
قال: «فاذهب فانظر، فإن في
أعين الأنصار شيئًا» وثبت في «مسند
أحمد» من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه و سلم قال:
«إذا خطب أحدكم المرأة،
فقدر أن يرى منها بعض ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل».
ففي هذين الحديثين دلالة
على أنه يشرع النظر إلى المخطوبة؛ لقصد الزواج بها، وأصحاب الاختلاط يمتعون أبصارهم
الخائنة بإطلاق النظر فيما حرم الله بما لا مبرر له من
الشرع.
ومن منكرات الاختلاط في
المدارس وغيرها أنه تشبه ببني إسرائيل وهو أول فتنتهم فقد ثبت في «صحيح مسلم» من
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبيصلى الله عليه و سلم قال: «إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها،
فينضر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في
النساء» وثبت من حديث ابن عمر رضي الله
عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: «وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو
منهم».
الاختلاط فتح باب الفتنة،
وألأضرار الدينية، والدنيوية، على الأمة بدليل ما في «الصحيحين» من حديث أسامة بن
زيد رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من
النساء»، وثبت عند أحمد في «المسند» من
حديث محمود بن لبيد رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه و سلم قال:
«اثنتان يكرهما ابن دم،
يكره الموت، والموت خير للمؤمن من الفتنة، ويكره قلة المال، وقلة المال أقل عند
الحساب».
الدراسة الاختلاطية قد يحصل
فيها مصافحة النساء الأجنبيات وهذا محرم، لما ثبت عند الطبراني وغيره من حديث معقل
بن يسار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: «لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له
من أن يمس امرأة لا تحل له» وفي
«الصحيحين» من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: والله ما مست يد رسول الله صلى
الله عليه و سلم يد مرأة قط، غير أنه يبايعهن بالكلام.
الإختلاط من أسباب فساد
القلوب كما قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً
فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ
وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب:53] وإذا فسد القلب فسد
الجسد كله، كما في «الصحيحين» من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه، أن النبي صلى
الله عليه و سلم قال: «ألا
وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، إلا وهي
القلب».
إختلاط النساء بالرجال فيه
تعويدهن على قلة الحياء وقد كان النساء في عهد سلفنا الصالح رضي الله عنهم في غاية
الحشمة والحياء، ثبت عند البخاري ومسلم، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن
النبي صلى الله عليه و سلم كان أشد حياء من العذراء في خدرها، وإذا ذهب الحياء ذهب
الإيمان قال: عليه الصلاة والسلام «الحياء والإيمان قرنا جميعًا فإذا رفع أحدهم رفع
الآخر» أخرجه الحاكم في «المستدرك» من
حديث ابن عمر رضي الله عنه بسند صحيح.
الإختلاط يذهب الغيرة على
المحارم، والغيرة على المحارم من صفات الله عزوجل، ومن صفات رسول الله صلى الله
عليه و سلم، ومن صفات المؤمنين، فقد أخرج البخاري ومسلم في «صحيحيهما» من حديث
المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، قال: قال سعد بن عبادة رضي الله عنه: لو رأيت رجلًا
مع مرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم، فقال:
«أتعجبون من غيرة سعد؟،
والله لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش، ما ظهر منها
وما بطن...»، وفي «الصحيحين» واللفظ:
لمسلم، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه و سلم قال:
«إن الله يغار، وإن المؤمن
يغار، وغيرة الله؛ أن يأتي المرأ ما حرم الله عليه»، وفي «الصحيحين» عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و
سلم قال: «يا أمة محمد
والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبدة، أو تزني
أمته».
والإختلاط ذريعة للزنا فقد
أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه و سلم
قال: «زنى العينين النظر،
وزنى اللسان النطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو
يكذبه»، وإذا فشى الزنا حصل بالأمة
أنواع البلايا؛ فقد ثبت عند أحمد والحاكم في «المستدرك» وللفظ: لأحمد، من حديث
عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال:
«يا معشر المهاجرين خمس
إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تضهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا
بها؛ إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم
ينقصوا المكيال والميزان؛ إلا أخذوا بالسنين، وشدة المؤونة، وجور السلطان عليهم،
ولم يمنعوا زكاة أموالهم؛ إلا منعوا القطر من السماء، ولو لا البهائم لم يمطروا،
ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله؛ إلا سلط الله عليهم عدوًا من غيرهم فأخذوا بعض ما
في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله؛ إلا جعل الله
بأسهم بينهم».
والذي يرضى لابنه أو لابنته
أو من يملك رعايته بالاختلاط يكون غاشًا له وربنا سبحانه وتعالى يقول في كتابه
الكريم: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ
وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6]، وفي «الصحيحين» من
حديث معقل بن يسار رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه و سلم قال:
«ما من عبد يسترعيه الله
رعية لم يحطها بنصحه، إلا لم يجد رائحة الجنة»، وفي لفظ: «ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه
الجنة»، فعلم بحمد الله من هذه الأدلة
تحريم الدراسة الاختلاطية، وأنه لا يجوز لمسلم أن يدرّس فيها، ولا يدْرس ولا يُدرّس
أبناءه، ولا بناته، ولا من يلي أمرهم فيها؛ صغارًا كانوا أو كبارًا، فإن ذلك ترويض
على الفساد، ونشر لأفكار الكفار الداعين بأموالهم وانفسهم إلى إبعاد المسلمين عن
دينهم الحق قال تعالى: {مَا
يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ
يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة:105]، وقال تعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً}
[النساء:89]، وقال تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا
النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120].
وكثير من المسلمين هداهم
الله لو دخل الكفار جحر ضب لدخلوه، كما قال المصطفى صلى الله عليه و سلم، ووالله إن
عاقبة ذلك وخيمة، وأضراره جسيمة، فنسأل الله أن يوفق ولاة الأمور لإزالة هذا المنكر
وغيره من المنكرات، وأن يدفع عن بلادنا وسائر بلاد المسلمين كل فتنة، إنه على كل
شيء قدير.
كتب
هذه الفتوى أبو عبد الرحمن: يحيى بن علي الحجوري.
راجيًا من الله عزوجل أن
ينفع بها المسلمين، ويأجره عليها يوم الدين، وحسبنا الله ونعم الوكيل،
(10/شعبان/1423هـ)