عنوان الكتاب:
تصحيح حديث إفطار الصائم قبل سفرة بعد الفجر
تأليف:
محمد ناصر الدين الألباني
الناشر:
مكتبة المعارف
الطبعة الشرعية الوحيدة 1421هـ -2001م
ص -3- بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.
أما بعد فإني أقدم اليوم إلى القراء الكرام بحوثا طريفة ومناقشات مفيدة إن شاء الله تعالى تعرض لهم لونا جديدا من ألوان التحقيق العلمي الحديثي والفقهي معا حول مسألة هامة كثيرا ما يبدو لبعضهم الحاجة إليها ومعرفة الرأي الصائب فيها ألا وهي "إفطار الصائم في رمضان قبل سفره بعد الفجر".
وإن من الغرائب أن يتوجه بعض الناس اليوم إلى إنكار الحديث الوارد فيها والذي يحدد للمسلم الموقف الذي يجب أن يتخذه منها مع صحة إسناده وعدالة رواته ومطابقته لظاهر القرآن وشهادة الآثار السلفية له وموافقته لأصل من أصول الشريعة الغراء: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ
ص -4- الْعُسْرَ} وعمل به جماعة من أئمة الفقه والحديث.
وما ذلك منه إلا تعصبا لفرعه المذهبي خلافا لما صح عن إمامه كأصل من أصوله: "إذا صح الحديث فهو مذهبي"1.
وقد كنت نشرت هذه البحوث في مجلة التمدن الإسلامي الزاهرة "عدد 25 - 36 سنة 1379" في ثلاث مقالات متتابعة فبدا لي فصلها من المجلة ونشرها في رسالة مستقلة كما جاءت في المجلة رجاء أن يعم النفع بها أكثر ويكون أجرنا إن شاء الله تعالى أكبر.
أسأل الله عز وجل أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم وأن ينفع النفع العميم.
دمشق مساء يوم عرفة سنة 1379 هـ.
محمد ناصر الدين الألباني.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر مقدمة كتابنا "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم" وهو من مطبوعات مكتبة المعارف بالرياض.
ص -5- سبق أن علق الأستاذ الشيخ ناصر الدين الألباني بكلمة على فتوى في هذه المجلة حول هذا الموضوع فبين أن من السنة أن يفطر الصائم في بيته قبل مبارحته وقد وردتنا من الأستاذ الشيخ عبد الله بن محمد الهرري - بواسطة الأستاذ الشيخ حمدي الجويجاني - كلمة ذكر فيها أن بعض القراء عرض عليه تلك الكلمة فرآها مستندة إلى حديث ضعيف وأطلعنا الأستاذ الألباني على كلمة الأستاذ الهرري فأيد ما ذهب إليه من قبل بكلمة جديدة فننشر الكلمتين فيما يلي:
1 - قال الأستاذ الهرري:
"في جامع الترمذي: باب فيمن أكل ثم خرج سفرا.
حدثنا قتيبة حدثنا عبد الله بن جعفر عن زيد بن أسلم عن محمد بن المنكدر عن محمد بن كعب قال: أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفرا وقد رحلت راحلته ولبس ثياب السفر فدعا بطعام فأكل فقلت: سنة قال: سنة ثم.
ص -6- ركب.
حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا محمد بن جعفر حدثني زيد بن أسلم حدثني محمد بن المنكدر عن محمد بن كعب قال: أتيت أنس بن مالك في رمضان فذكر نحوه.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن ومحمد بن جعفر هو ابن أبي كثير مدني ثقة وهو أخو إسماعيل بن جعفر وعبد الله بن جعفر هو ابن أبي نجيح والد علي بن المديني وكان يحيى بن معين يضعفه وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث وقال: للمسافر أن يفطر في بيته قبل أن يخرج وليس له أن يقصر حتى يخرج من جدار المدينة أو القرية وهو قول إسحق.
فهذا التحسين من الترمذي مردود فقد ضعف هذا الحديث حافظان أحدهما من المتقدمين والآخر من المتأخرين:
ص -7- الأول: هو الحافظ الناقد أبو حاتم الرازي قال ابنه الحافظ عبد الرحمن في "العلل" "ص 240" ما نصه:
"سألت أبي عن حديث رواه عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن زيد بن أسلم عن محمد بن كعب أنه أتى أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفرا فوجده قد رحلت راحلته ولبس ثياب السفر فدعا بطعام فأكل فقلنا: سنة قال: ليس بسنة.
ورواه محمد بن عبد الرحمن بن مجبر عن ابن المنكدر عن محمد بن كعب أنه أتى أنس بن مالك فذكر الحديث قال: فقلت: سنة قال: سنة قال أبي حديث الدراوردي أصح" أهـ.
فهذا هو كما هو ظاهر صريح في أن رواية الترمذي مرجوحة وأن الراجح رواية النفي.
والثاني: فهو الحافظ العراقي زين الدين عبد الرحيم شيخ.
ص -8- الحافظ ابن حجر قال في شرحه على الترمذي: "يوجد في المكتبة المحمودية بالمدينة المنورة نسخة خطية برقم 168".
حديث أنس هذا انفرد بإخراجه الترمذي وحسنه لمتابعة محمد بن جعفر لعبد الله بن جعفر وإلا فعبد الله ضعيف كما حكى المصنف تضعيفه عن ابن معين فإنه قال فيه: ليس بشيء وقال فيه أبو حاتم الرازي: منكر الحديث جدا وقال فيه النسائي: متروك الحديث وقال الفلاس: ضعيف الحديث وقال فيه الدارقطني: كثير المناكير وقال أبو حاتم: كان يهم في الأخبار فيأتي بها مقلوبة ويخطئ في الآثار حتى كأنها مقلوبة وقال ابن عدي: عامة أحاديثه لا يتابعه عليه أحد وهو مع ضعفه ممن يكتب حديثه قال صاحب الميزان: وهو متفق على ضعفه. أهـ.
قال: وإن الترمذي إنما حسن الحديث لكون عبد الله بن جعفر لم ينفرد به بل تابعه عليه محمد بن جعفر بن أبي كثير.
ص -9- المدني وهو ثقة كما قال الترمذي.
إذا تقرر هذا فهنا أمر يجب التنبيه عليه فمحل الحجة من الحديث كون أنس قال فيه إنه سنة وحكم الصحابي على "أمر" بأنه سنة يكون حكمه حكم الحديث المرفوع على ما هو مقرر في علوم الحديث والأصول وهذه اللفظة إنما رواها على الجزم عبد الله بن جعفر وهو متفق على ضعفه كما تقدم.
وأما طريق محمد بن جعفر فلم يسق الترمذي لفظها وإنما قال فذكر نحوه وهذا لا يقتضي أنه بلفظه كما هو مقرر في علوم الحديث.
ثم فتشنا عن لفظ رواية محمد بن جعفر بن أبي كثير فوجدناه لم يجزم بهذه اللفظة كما جزم بها عبد الله بن جعفر رواه كذلك إسماعيل بن إسحق القاضي في كتاب "الصيام".
قال: حدثنا عيسى بن مينا قال: حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير عن زيد بن أسلم عن ابن المنكدر عن محمد بن كعب.
[center]
تصحيح حديث إفطار الصائم قبل سفرة بعد الفجر
تأليف:
محمد ناصر الدين الألباني
الناشر:
مكتبة المعارف
الطبعة الشرعية الوحيدة 1421هـ -2001م
ص -3- بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.
أما بعد فإني أقدم اليوم إلى القراء الكرام بحوثا طريفة ومناقشات مفيدة إن شاء الله تعالى تعرض لهم لونا جديدا من ألوان التحقيق العلمي الحديثي والفقهي معا حول مسألة هامة كثيرا ما يبدو لبعضهم الحاجة إليها ومعرفة الرأي الصائب فيها ألا وهي "إفطار الصائم في رمضان قبل سفره بعد الفجر".
وإن من الغرائب أن يتوجه بعض الناس اليوم إلى إنكار الحديث الوارد فيها والذي يحدد للمسلم الموقف الذي يجب أن يتخذه منها مع صحة إسناده وعدالة رواته ومطابقته لظاهر القرآن وشهادة الآثار السلفية له وموافقته لأصل من أصول الشريعة الغراء: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ
ص -4- الْعُسْرَ} وعمل به جماعة من أئمة الفقه والحديث.
وما ذلك منه إلا تعصبا لفرعه المذهبي خلافا لما صح عن إمامه كأصل من أصوله: "إذا صح الحديث فهو مذهبي"1.
وقد كنت نشرت هذه البحوث في مجلة التمدن الإسلامي الزاهرة "عدد 25 - 36 سنة 1379" في ثلاث مقالات متتابعة فبدا لي فصلها من المجلة ونشرها في رسالة مستقلة كما جاءت في المجلة رجاء أن يعم النفع بها أكثر ويكون أجرنا إن شاء الله تعالى أكبر.
أسأل الله عز وجل أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم وأن ينفع النفع العميم.
دمشق مساء يوم عرفة سنة 1379 هـ.
محمد ناصر الدين الألباني.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر مقدمة كتابنا "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم" وهو من مطبوعات مكتبة المعارف بالرياض.
ص -5- سبق أن علق الأستاذ الشيخ ناصر الدين الألباني بكلمة على فتوى في هذه المجلة حول هذا الموضوع فبين أن من السنة أن يفطر الصائم في بيته قبل مبارحته وقد وردتنا من الأستاذ الشيخ عبد الله بن محمد الهرري - بواسطة الأستاذ الشيخ حمدي الجويجاني - كلمة ذكر فيها أن بعض القراء عرض عليه تلك الكلمة فرآها مستندة إلى حديث ضعيف وأطلعنا الأستاذ الألباني على كلمة الأستاذ الهرري فأيد ما ذهب إليه من قبل بكلمة جديدة فننشر الكلمتين فيما يلي:
1 - قال الأستاذ الهرري:
"في جامع الترمذي: باب فيمن أكل ثم خرج سفرا.
حدثنا قتيبة حدثنا عبد الله بن جعفر عن زيد بن أسلم عن محمد بن المنكدر عن محمد بن كعب قال: أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفرا وقد رحلت راحلته ولبس ثياب السفر فدعا بطعام فأكل فقلت: سنة قال: سنة ثم.
ص -6- ركب.
حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا محمد بن جعفر حدثني زيد بن أسلم حدثني محمد بن المنكدر عن محمد بن كعب قال: أتيت أنس بن مالك في رمضان فذكر نحوه.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن ومحمد بن جعفر هو ابن أبي كثير مدني ثقة وهو أخو إسماعيل بن جعفر وعبد الله بن جعفر هو ابن أبي نجيح والد علي بن المديني وكان يحيى بن معين يضعفه وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث وقال: للمسافر أن يفطر في بيته قبل أن يخرج وليس له أن يقصر حتى يخرج من جدار المدينة أو القرية وهو قول إسحق.
فهذا التحسين من الترمذي مردود فقد ضعف هذا الحديث حافظان أحدهما من المتقدمين والآخر من المتأخرين:
ص -7- الأول: هو الحافظ الناقد أبو حاتم الرازي قال ابنه الحافظ عبد الرحمن في "العلل" "ص 240" ما نصه:
"سألت أبي عن حديث رواه عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن زيد بن أسلم عن محمد بن كعب أنه أتى أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفرا فوجده قد رحلت راحلته ولبس ثياب السفر فدعا بطعام فأكل فقلنا: سنة قال: ليس بسنة.
ورواه محمد بن عبد الرحمن بن مجبر عن ابن المنكدر عن محمد بن كعب أنه أتى أنس بن مالك فذكر الحديث قال: فقلت: سنة قال: سنة قال أبي حديث الدراوردي أصح" أهـ.
فهذا هو كما هو ظاهر صريح في أن رواية الترمذي مرجوحة وأن الراجح رواية النفي.
والثاني: فهو الحافظ العراقي زين الدين عبد الرحيم شيخ.
ص -8- الحافظ ابن حجر قال في شرحه على الترمذي: "يوجد في المكتبة المحمودية بالمدينة المنورة نسخة خطية برقم 168".
حديث أنس هذا انفرد بإخراجه الترمذي وحسنه لمتابعة محمد بن جعفر لعبد الله بن جعفر وإلا فعبد الله ضعيف كما حكى المصنف تضعيفه عن ابن معين فإنه قال فيه: ليس بشيء وقال فيه أبو حاتم الرازي: منكر الحديث جدا وقال فيه النسائي: متروك الحديث وقال الفلاس: ضعيف الحديث وقال فيه الدارقطني: كثير المناكير وقال أبو حاتم: كان يهم في الأخبار فيأتي بها مقلوبة ويخطئ في الآثار حتى كأنها مقلوبة وقال ابن عدي: عامة أحاديثه لا يتابعه عليه أحد وهو مع ضعفه ممن يكتب حديثه قال صاحب الميزان: وهو متفق على ضعفه. أهـ.
قال: وإن الترمذي إنما حسن الحديث لكون عبد الله بن جعفر لم ينفرد به بل تابعه عليه محمد بن جعفر بن أبي كثير.
ص -9- المدني وهو ثقة كما قال الترمذي.
إذا تقرر هذا فهنا أمر يجب التنبيه عليه فمحل الحجة من الحديث كون أنس قال فيه إنه سنة وحكم الصحابي على "أمر" بأنه سنة يكون حكمه حكم الحديث المرفوع على ما هو مقرر في علوم الحديث والأصول وهذه اللفظة إنما رواها على الجزم عبد الله بن جعفر وهو متفق على ضعفه كما تقدم.
وأما طريق محمد بن جعفر فلم يسق الترمذي لفظها وإنما قال فذكر نحوه وهذا لا يقتضي أنه بلفظه كما هو مقرر في علوم الحديث.
ثم فتشنا عن لفظ رواية محمد بن جعفر بن أبي كثير فوجدناه لم يجزم بهذه اللفظة كما جزم بها عبد الله بن جعفر رواه كذلك إسماعيل بن إسحق القاضي في كتاب "الصيام".
قال: حدثنا عيسى بن مينا قال: حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير عن زيد بن أسلم عن ابن المنكدر عن محمد بن كعب.
[center]