فتاوى في العقيدة والمنهج ( الحلقة الثانية )
لفضيلة الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى
السؤال : سائل يقول : هل في نفي العمل الذي يختص بالأركان الأربعة يعتبر نفي جنس العمل ويكون مرجئاً ؟ وهل جنس العمل محصور في الأركان الأربعة عدا الشهادتين ؟
الجواب : الذين يقولون جنس العمل إلى الآن لم يفسروا لنا مقصودهم ؛مقصودهم غير واضح ,فإنّ أهل السنة والجماعة اختلفت أقوالهم في التكفير بهذه الأركان .
فمن أهل السنة من يكفِّر بترك واحد من هذه الأركان ؛لو ترك الحج عند بعضهم كافر ,لو ترك الزكاة عندهم كافر ؛تركها عمدا - يعني غير جاحد - بارك الله فيكم ,لو ترك الصلاة من باب أولى يكون كافرا حتى لو لم يجحد ؛هذه تفاصيل مذهب أهل السنة .
ولا يُكَفِّرون فيما عدا هذه الأركان ؛لم يكفِّروا بعمل من الأعمال غير هذه الأركان ,لا بمعاصي ولا بأعمال واجبة غير هذه الأركان ,لم يكفِّروا إلا بهذه الأركان ,منهم من يكفِّر بالصلاة وحدها ,ولا يكفِّر بترك الزكاة والصوم والحج ؛يكفِّر بترك الصلاة فإذا ترك الحج ليس بكافر عنده ,إذا منع أداء الزكاة يكون غير كافر ,يكون مجرما وتؤخذ منه قهرا ويؤخذ شطر ماله عقوبة وما شاكل ذلك ,لكنه مع ذلك لا يرونه كافرا .
الشاهد : أن كلمة أهل السنة بما فيهم الصحابة اجتمعت كلمتهم أنهم لا يكفِّرون بترك شيء من الأعمال غير هذه الأركان ؛يعني الأعمال .
قال الشيخ تعليقا : هذا ما كان يظهر لي سابقا ولغيري ثم كثرت الدراسة في موضوع ترك العمل بالكلية فوقفت على مقال لأحد الإخوة أكثر فيه من النقل عن السلف بأن تارك العمل بالكلية كافر فترجح لي ذلك لكنه يعبر عنه بتارك جنس العمل وأنا أرى الابتعاد عن لفظ ( جنس ) لما فيه من الإجمال والاشتباه ولأنه يتعلق به أهل الفتن ولأنه لا يوجد هذا اللفظ في كتاب ولا سنة ولا استعمله السلف في تعريف الإيمان .
ومن منهج السلف الابتعاد عن استعمال الألفاظ المجملة والمتشابهة والابتعاد عن الألفاظ التي لم ترد في الكتاب والسنة ,ولما تحدثه من الفتن بين المسلمين ,بل بدّع السلف من يسلك هذا المسلك كما نقل ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
وقد استنكر استعمال لفظ ( جنس العمل ) وهل العمل شرط صحة أو شرط كمال في الإيمان العلامة محمد بن صالح العثيمين وقال : ( هذه طنطنة لا خير فيها ) أو كما قال .
ولقد نصحت كثيرا وكثيرا في دروسي الشباب بأن يلتزموا بما قرره السلف في تعريف الإيمان وبأنه : ( قول وعمل واعتقاد يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ) ونشرت بهذا الصدد مقالا بعنوان : ( كلمة حق حول جنس العمل ) فاستجاب لذلك السلفيون الصادقون الملتزمون بمنهج السلف قولا وعملا وأبى ذلك أهل الفتن والشغب الذين جعلوا الشغب على أهل السنة محور نشاطهم وهجرانهم .
أما العقائد فهذا شيء آخر ؛قد يكذّب نبيا فيكفر,يكذّب بالملائكة فيكفر ,يكذّب بكتاب من الكتب فيكفر,يكذّب بآية من القرآن فيكفر ؛هذا ما يتعلق بالإيمان ,نحن الآن في العمل ؛عمل الأركان هل هو كفر أو ليس بكفر ؟
منهم من لا يرى ترك الصلاة والزكاة والصوم والحج كل هذه الأشياء يرى تركها ليس بكفر إذا لم يكن جاحدا ؛إن تركها جاحدا فكافر ,وإن تركها تكاسلا وتهاونا فإنّه ليس بكافر ولو ترك هذه الأركان كلها .
ومنهم من يكفِّره بترك الصلاة ,ومنهم من يكفِّره ولو بترك واحد من هذه الأركان ؛هؤلاء كلهم أهل سنة لا نضلّل أحدا منهم ولا يُرمى بالإرجاء ولا برأي الخوارج .
إن كفّر بالأركان الأربعة لا نقول :خارجي ,وإن كفَّر بترك الصلاة فقط لا نقول :خارجي ,وإن كفَّر بترك الصلاة فقط والزكاة لا نقول :خارجي ,لأنّ الخوارج يكفِّرون بهذه الأشياء ,لكن أهل السنة يختلفون عن الخوارج والفروق هائلة جدا بينهم وبين الخوارج ؛فإن الخوارج بمجرد أن يرتكب كبيرة خرج من الإسلام والمعتزلة كذلك ,لكن عند المعتزلة خرج إلى دائرة جديدة بين الإيمان والكفر ؛دائرة متوسطة ! الخوارج خرج عندهم خروجا كليا إلى دائرة الكفر!
أهل السنة من يقول منهم بكفر تارك الصلاة يخرجه من دائرة الإسلام ليس بارتكاب معصية أو بارتكاب محرّم ؛بترك واجب لأن هذه عندهم مباني الإسلام وأركان الإسلام وهدمها يختلف عن ارتكاب المحرمات ,ارتكاب المحرمات أمر عظيم لكن أعظم منه وأشدّ منه هدم هذه الأركان أوهدم شيء منها .
فمنهم من يرى أن من ترك هذه الأركان فقد هدم أركان الإسلام فهو كافر أو هدم ركنا منها فهو كافر ,ومنهم من لا يكفِّره لكن يضلِّله بارك الله فيك ويرى عليه القتل والحدّ والسجن وما شاكل ذلك لكن لا يخرجونه من دائرة الإيمان على التفاصيل التي ذكرنا بارك الله فيكم.
أما عند المرجئة فهذه الأعمال ما دخلت في الإيمان رأسا ,ليست بداخلة في الإيمان وليست من الإيمان في شيء ,وعند غلاتهم لو ترك هذه الأعمال كلها طول حياته فهو في الجنة ,لماذا ؟ لأنّ الإيمان عندهم هو التصديق أو المعرفة وقد حصل والمطلوب هو هذا فقط عندهم والأعمال تركها لا يضر بهذا الإيمان ولا ينقص منه شيئا !!
فهذا الفرق بين أهل السنة وبين المرجئة ؛العمل ليس من الإيمان ؛لا صلاة لا زكاة لا صوم لا حج ,أما أهل السنة فتتفاوت أقوالهم بين تكفير تارك الصلاة وبين مُجَرِّمِه وأنه بتقصيره في هذه الأعمال ينقص إيمانه شيئا فشيئا حتى يتلاشى عند كثير من تاركي الأعمال وهذا الفرق بينهم وبين المرجئة .
السؤال: هل صحيح ما ينسب إلى أبي حنيفة أنّه مرجئ ؟
الجواب: هذا صحيح لا ينكره أحد ؛أبو حنيفة رحمه الله وقع في الإرجاء ولا ينكره لا أحناف ولا أهل سنة ,لا أحد ينكر هذا وأخذ عليه أهل السنة أخذا شديدا ؛أخذوا عليه الإرجاء وغيره - غفر الله له - يعني لا يجوز لحنفي أو لغيره أن يتبع أحدا في خطئه كائنا من كان لا أبو حنيفة ولا مالك ولا شافعي لكن هؤلاء ما عرفنا عليهم أخطاء في العقيدة ,أمّا أبو حنيفة وقع في القول : بخلق القرآن ورجع عنه كما أثبت ذلك علماء ,لكن القول بالإرجاء ما ثبت أبدا أنّه رجع عنه ولا أحد يدّعيه له لا من الأحناف ولا من غيرهم في حسب علمي .
السؤال : ما الضابط في معرفة أهل الفترة ومعرفة المشركين الذين ماتوا على الشرك قبل بعثة الرسول صلى الله عليه سلم ؟
الجواب : أهل الفترة الذين لم يبعث فيهم نبي ( يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير ) فهذه فترة ما بين عيسى و محمد عليهما الصلاة والسلام ؛ هذه فترة .
و من مات في هذه الفترة ولم يبلغه شيء من الرسالة ؛رسالة موسى أو عيسى فهذا حتى لو كان على الشرك يبعثه الله يوم القيامة و يختبره و يمتحنه ؛هذا الذي مات في الفترة و المعتوه والصبي و الشيخ الهرم الذي لا يفهم ,هذا يقول يا ربنا هذا يقول : أنا يعني ما جاءني من نذير الذي في الفترة و لو جاءني لآمنت وهذا أحمق يقول :كنت أحمق يقذفني الصبيان في الأزقة وهذا يقول : جاءني و أنا خرف ما أسمع ,فيختبرهم الله سبحانه و تعالى ؛يرسل لهم واحد من الملائكة أو من غيرهم و يقول لهم ادخلوا في النار فمن يستعد للدخول في النار أطاعه ,آمن ومن أبى ورفض يدخل النار لأنّ هذا لو جاءه النذير و أقام عليه الحجّة سيحاربه كسائر المشركين فهذا يدخل النار .
فهؤلاء يمتحنون في الفترة والأصناف التي قلناها ,والفترة هي التي ما جاء فيها من نذير و قد يكون إنسان في الفترة و لكن بلغته الحجة من بقايا ملّة إبراهيم أو موسى أو عيسى فهذا تقوم عليه الحجة و لهذا وجد ذكر الرسول صلى الله عليه و سلم عن بعض المشركين أنّهم في النار , لماذا ؟ لأنهم بلغتهم الحجة و أبوا أن يدخلوا في الدين الحقّ ؛دين الإسلام .
السؤال : كلمات الله هل هي القرآن أم كلّ كلامه ؟
الجواب : بل كلّ كلامه لأنّ النّص ( قل لو كان البحر مدادا لكلمات الله لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات الله ) تشتمل كلامه كلّه القولي والقدري والشرعي والقرآن منه .
السؤال : ما رأيكم في كتاب (التوحيد ) للزنداني وهل تنصحون بقراءته ؟
الجواب : هذا الرجل أعطاني هذا الكتاب هنا في مكة وأنا أدرس آنذاك وقال : ما رأيك في هذا الكتاب ؟ فقلت له : هذا الكتاب أثبتَّ فيه توحيد الربوبية ,أين توحيد العبادة ؟ أين توحيد الأسماء والصفات ؟ فسكت ,ثم سافرت إلى اليمن أنا وبعض الأصدقاء و