بسم الله الرحمن الرحيم
فذكر بالقرآن من يخاف وعيد للشيخ أحمد النجمي رحمه الله
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله – صلى الله عليه وسلم – أما بعد
فإن خير الهدي هدي محمدا -صلى الله عليه وسلم – وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
أيها المسلمون يقول الله عز وجل معقبا على السامري وعجله ..... قال جل من قال : ( وانظُر إلى إلهِكَ الذي ظَلتَ عليهِ عاكِفاً لَّنُحرِقنَّهُ ثُمَّ لننسِفنَّهُ في اليِمّ نسفاً * إنما إلهكم اللهُ الذي لا إلهَ إلا هو وَسِعَ كُلَّ شيءٍ عِلماً * كذلك نقُصُّ عليكَ من أنباءِ ما قد سَبَقَ وقد ءَاتَينَاكَ من لَّدُنَّا ذِكراً* مَّن أَعرَضَ عَنهُ فَإنَّهُ يحملُ يَومَ القِيامَةِ وِزراً * خالدينَ فِيه وَسَآءَ لهم يَومَ القِيامةِ حِملاً * يوم ينفخُ في الصُّورِ ونحشُرُ المُجرِمِين يَومئذٍ زُرقاً * يتخافتُون بينهم إن لَّبِثتُم إلا عَشراً * نحنُ أعلمُ بِما يقُولُون إذ يَقُولُ أَمثَلُهُم طَرِيقَةً إن لَّبِثتُم إلا يوماً * ويسألونك عن الجبال فقُل ينسفُها ربي نَسفاً * فيذرها قاعاً صَفصَفاً * لا تَرَى فِها عِوَجاً ولا أمتا * يومئذٍ يتَّبِعُونَ الدَّاعِي لا عوجَ له وَخَشَعَتِ الأصوات للرحمنِ فلا تسمعُ إلا هَمساً * يومئذٍ لا تَنفَعُ الشَّفاعَةُ إلا من أَذِنَ لهُ الرحمنُ وَرَضي لهُ قَولاً * يَعلَمُ ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطونَ به علما * وعنتِ الوجوهُ للحي القيومِ وقد خاب من حملَ ظُلماً ) . (1)
يقول الله عز وجل إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو صاحب الإلوهية الحقة والكمالات التي لا يعتريها نقص وسع كل شيئا علما فهو سبحانه وتعالى يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون يعلم ماضي الأمور ومستقبلها يعلم كل شيء صاحب القدرة الكاملة والرحمة الشاملة والعلم الواسع .
قال سبحانه وتعالى ( إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو ) . كل مألوه سواه باطل وهو الإله الحق
ثم قال : (* كذلك نقُصُّ عليكَ من أنباءِ ما قد سَبَقَ ) كذلك يا محمد نقص عليك من أنباء ما قد سبق من الأمم .
(وقد ءَاتَينَاكَ من لَّدُنَّا ذِكراً) الذكر الذي آتاه الله هو القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد من اعرض عنه ، الضمير في ( عنه ) يعود على القرآن أي من أعرض عن القرآن فإنه يحمل يوم القيامة وزرا .
وزرا : حملاً عظيما ، نسأل الله العفو والعافية .
( خالدين فيه ) أي بسببه خالدين في نار جهنم (وَسَآءَ لهم يَومَ القِيامةِ حِملاً ) بئس الحمل الذي حملوه .
فيا عبد الله خفف عن نفسك أعمل بطاعة ربك أقرأ كتاب ربك تذكر بأنك ..... خلقت في هذه الدنيا وأنك ستموت وتفنى ولكن الله سيعيدك ولابد أن يعاتبك وستبقى بعد الحياة الثانية بعد أن يحييك الله عز وجل الحياة الثانية تبقى بقاء مؤبدا (خالدينَ فِيه وَسَآءَ لهم يَومَ القِيامةِ حِملاً) الشرك ، البدع ، الذنوب، المعاصي ،الفساد ،الفواحش ، المنكرات
وهكذا أنت يا عبد الله إن تورعت وانتهيت ومنعت نفسك منعت سمعك منعت بصرك منعت يدك من البطش من الحرام منعة رجلك من المشي إلى الحرام منعة جوارحك من استعمال الحرام منعت فمك من أكل الحرام ومن التلفظ بالحرام عند إذا ينفعك الله عز جل بهذا العمل وهذا ..... أما إن جعلت نفسك مطرقا كأنك لا حسيب عليك فأنت لابد أن تؤاخذ
قال سبحانه وتعالى: ( يوم ينفخُ في الصُّورِ ونحشُرُ المُجرِمِين يَومئذٍ زُرقاً * يتخافتُون بينهم إن لَّبِثتُم إلا عَشراً) المجرمين تكون علامتهم زرقة العيون وسواد الوجوه (ونحشُرُ المُجرِمِين يَومئذٍ زُرقاً * يتخافتُون بينهم)
التخافت في لغتنا مشهور لا يحتاج إلى تفسير : وهو الكلام الخفي بين اثنين (يتخافتُون بينهم إن لَّبِثتُم إلا عَشراً) أي ما لبثوا في القبور إلا عشرا (نحنُ أعلمُ بِما يقُولُون إذ يَقُولُ أَمثَلُهُم طَرِيقَةً إن لَّبِثتُم إلا يوما) وذلك أن الكفار الذين كانوا يعذبون بالبرزخ يرفع عنهم العذاب ما بين النفختين النفخة الأولى التي يكون فيها الصعق ويكون بعدها الموت فلا يبقى في السماوات ولا في الأرض حي كلهم يموتون ويفنون ويأتي تأويل قول الله سبحانه وتعالى ( كُلُّ من عَلَيها فَانٍ * ويبقى وجهُ ربِكَ ذُو الجلالِ والإكرام ) (2) يرفع عنهم العذاب أربعين سنة ثم بعد ذلك تأتي النفخة التي يقوم فيه الناس من قبورهم وحين إذا يظنون أنهم ما لبثوا إلا عشرة أيام أو يوما أو ما أشبه ذلك
قال الله سبحانه وتعالى : (ويسألونك عن الجبال) الجبال ضخامتها قوتها بنائها شدتها كيف تكون ؟ (فقُل ينسفُها ربي نَسفاً) الله سبحانه وتعالى ينسفها بعد أن تبث وتصير مثل الكثيف الذي يانهال وتمسكه الرياح فيسلط الله عليها الريح فتنسفها وتنسف كل ما على الأرض من مرتفع فتنزله وتساويه بالمنخفض هكذا حتى يحشر الناس على أرض لا علامة فيها لأحد وحينئذ يقول الله عز وجل : (فيذرها قاعاً صَفصَفاً) أي مستوية ( لا تَرَى فِها عِوَجاً ولا أمتا) أي أن الأرض تكون مستوية (يومئذٍ يتَّبِعُونَ الدَّاعِي لا عوجَ له ) الداعي هو: إسرافيل كما ذكر المفسرون أو بعض المفسرين هو إسرافيل – عليه السلام – بعد النفخ يدعوهم ( يا أيها الناس هلم إلى ربكم قال الله عز وجل : (يومئذٍ يتَّبِعُونَ الدَّاعِي لا عوجَ له وَخَشَعَتِ الأصوات للرحمنِ ) كذلك قوله ( يوم يدعُ الداعِ إلى شيءٍ نُّكُرٍ * خُشَّعاً أبصارُهُم يخرُجُونَ مِن الأجداثِ كأنَّهُم جرادٌ مُّنشرٌ * مُّهطِعِينَ إلى الداعِ يقولُ الكافِرُون هذا يوم عَسِر ) (3) إنا لله وإنا إليه راجعون فيا عبد الله ، يا عبد الله المسلم أحمد الله عز وجل الذي علمك كتابه والذي هداك للإسلام اقرأ كتاب الله تذكر به هذا اليوم تذكر به هذا اليوم تذكر به ذلك التذكر يمنحك ويحد صولتك النفسية والشهوانية يحد من صولتها عليك فترعوي وتتقي وتخضع لله رب العلمين
قال الله عز وجل (وَخَشَعَتِ الأصوات للرحمنِ) أهل السماوات وأهل الأرض أهل الأرض كلهم يحشرون إلى مكان واحد الأرض تمد وتتسع تنزل ملائكة السماوات فتصير صفوفا من بعدهم ( وجاءَ ربُّكَ والملكُ صفاً صفاً ) (4)
قوله : (فلا تسمعُ إلا هَمساً) الهمس هو وطء الأقدام والهمس هو الشيء الخفي والمراد به هنا وطء الأقدام يوم القيامة لا يستطيع أحدا أن يتكلم
ثم قال : (* يومئذٍ لا تَنفَعُ الشَّفاعَةُ إلا من أَذِنَ لهُ الرحمنُ ) لا تنفع الشفاعة أحدا إلا من أذن له الرحمن هذا تيئيس للمشركين الذين يطمعون في الشفاعة ويطلبونها من غير الله بأنها لا تنفعهم ( يومئذٍ لا تَنفَعُ الشَّفاعَةُ إلا من أَذِنَ لهُ الرحمنُ وَرَضي لهُ قَولاً) وذلك أن أبا هريرة سأل النبي – صلى الله عليه وسلم – من أحق الناس بشفاعتك يا رسول الله ؟ قال يا أبا هريرة : ( لقد ظننت أن لا يسألني عن هذا أحدا أول منك بما رأيت من حرصك على العلم إن أحق الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه )(5)
فالشفاعة تكون إكراما للشافع ورحمة للمشفوع له
ثم قال : (يَعلَمُ ما بين أيديهم وما خلفهم ) أي يعلم أعمالهم التي عملوها ويعلم ما هم قادمون عليه أهل السعادة ما هم قادمون عليه من النعيم المقيم وأهل الشقاوة ما هم قادمون عليه من العذاب الأليم
قال : (وعنتِ الوجوهُ للحي القيومِ وقد خاب من حملَ ظُلماً) عنت ، ذلت ، خشعت ، استكانت ، لله رب العالمين الجبابرة الذين كانوا متجبرين يخشعون يذلون يخضعون لله عز وجل (وعنتِ الوجوهُ للحي القيومِ وقد خاب ) خسر ، خسر ( من حملَ ظُلماً) وأشد الظلم هو الشرك ، صاغ قلبه بحسب ما هو فيه ونسأل الله العفو والعافية أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين إنه هو الغفور الرحيم .
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه ومن أتبعهم بإحسان إلى يوم الدين
قال الله عز وجل بعد قوله : ( وقد خاب من حملَ ظُلماً) قال بعد ذلك ( ومن يعمل من الصالحاتِ وهو مؤمنٌ فلا يخافُ ظُلماً ولا هضماً ) (6) من عمل ، عملا صالحا حال كونه مؤمن بالله عز وجل وبلقائه على شريعة من الشرائع من شرائع رسله – صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين – (ومن يعمل من الصالحاتِ وهو مؤمنٌ فلا يخافُ ظُلماً ولا هضماً) لا ظلم عليك يا عبد الله، الله وسعت رحمه كل شيء قال الله عز وجل : ( ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتُبُها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بائياتنا يؤمنون * الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ) (7) لا يخاف ظلما بأن يظلم من عمله ولا هضما نقصا له قال سبحانه وتعالى : ( وكذلك أنزلناه قُرأناً عربياً وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يُحدثُ لهم ذكراً ) (8) الله سبحانه وتعالى أنزل الكتاب للذكر قال سبحانه وتعالى : ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر )(9) فينبغي للمسلم أن يتذكر بهذا الكتاب يقرأه وإن لم يكن قارئا فليستمع والآن قد يسر الله عز وجل وسائل إيصال الخير إلى الناس في الأشرطة وغير ذلك حتى أن الإنسان الذي لا يقرأ يأخذ له مسجل ويأخذ له أشرطة ويستمع القراءة ويتذكر بها خير له من أن يجمع وسائل اللهو ووسائل التسلية كما يقول ثم بعد ذلك يكون مسئول عن هذه الأوقات التي قضاها في معصية الله والعياذ بالله
(وكذلك أنزلناه قُرأناً عربياً وصرفنا فيه من الوعيد) الله سبحانه وتعالى جعل القرآن تذكير وتذكره تأتي آيات الوعيد وتأتي بعدها آيات الوعد وتأتي آيات الوعد وتأتي بعدها آيات الوعيد تأتي صفات المؤمنين وتأتي بعدها صفات الكفار أو المنافقين وهكذا(لعلهم يتقون أو يُحدثُ لهم ذكرا * فتعالى اللهُ الملكُ الحقُّ ) تعالى وتقدس سبحانه وتعالى عما يصفه به الظالمون قال جل من قائل : ( ولا تعجل بالقرآنِ من قبلِ أن يقضى إليك وحيُهُ وَقُل رَّبِ زدني علما )(10) اللهم زدنا علما يا رب العالمين
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين يا رب العالمين اللهم أجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي هي منقلبنا وأجعل الحياة زيادة لنا في كل خير وأجعل الموت راحتا لنا من كل شر يا رب العلمين
اللهم من أرادنا وأراد المسلمين بسوء فأشغله في نفسه وأجعل تدميره في تدبيره ورد كيده في نحره يا سميع الدعاء اللهم من كاد لنا فكده ومن خدعنا فخدعه ومن مكر بنا فمكر به يا رب العالمين اللهم أعطنا ولا تحرمنا وزدنا ولا تنقصنا وأكرمنا ولا تهنا يا رب العالمين اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين ووفقهم للعمل بكتابك وسنتك وتحكيم شريعتك يا رب العالمين اللهم وفق إمامنا إمام المسلمين وخادم الحرمين الشريفين اللهم وفقه لما تحبه وترضى اللهم وفقه ووفق نائبه وإخوانه وأعوانه اللهم أرزقهم البطانة الصالحة التي تذكرهم إذا نسوا وتعينهم إذا ذكروا يا ب العلمين اللهم أنصر عبادك المسلمين المستضعفين الذين تسفك دمائهم وتزهق أرواحهم وتسلب أموالهم وتحتل ديارهم وتنتهك أعراضهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله اللهم أنصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين اللهم أنصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين اللهم أصلح شباب المسلمين اللهم أصلح شباب المسلمين اللهم وفقهم للعقيدة الصحيحة عقيدة أهل السنة والجماعة اللهم جنبهم الشرك والبدع والفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن يا رب العالمين ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولا ذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
______________
(1)سورة طه : الآيات : 97-111 .
(2)سورة الرحمن : الآيتان : 26-27 .
(3)سورة القمر : الآيات : 6-8 .
(4)سورة الفجر : الآية : 22 .
(5)أخرجه البخاري في الصحيح كتاب العلم باب الحرص على الحديث (1/233/الرقم 99) .
(6)سورة طه : الآية : 112.
(7)سورة الأعراف : الآيتان : 156-157.
(8)سورة طه : الآية :113.
(9)سورة القمر : الآية :17.
(10)سورة طه : الآية :114.
فإن خير الهدي هدي محمدا -صلى الله عليه وسلم – وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
أيها المسلمون يقول الله عز وجل معقبا على السامري وعجله ..... قال جل من قال : ( وانظُر إلى إلهِكَ الذي ظَلتَ عليهِ عاكِفاً لَّنُحرِقنَّهُ ثُمَّ لننسِفنَّهُ في اليِمّ نسفاً * إنما إلهكم اللهُ الذي لا إلهَ إلا هو وَسِعَ كُلَّ شيءٍ عِلماً * كذلك نقُصُّ عليكَ من أنباءِ ما قد سَبَقَ وقد ءَاتَينَاكَ من لَّدُنَّا ذِكراً* مَّن أَعرَضَ عَنهُ فَإنَّهُ يحملُ يَومَ القِيامَةِ وِزراً * خالدينَ فِيه وَسَآءَ لهم يَومَ القِيامةِ حِملاً * يوم ينفخُ في الصُّورِ ونحشُرُ المُجرِمِين يَومئذٍ زُرقاً * يتخافتُون بينهم إن لَّبِثتُم إلا عَشراً * نحنُ أعلمُ بِما يقُولُون إذ يَقُولُ أَمثَلُهُم طَرِيقَةً إن لَّبِثتُم إلا يوماً * ويسألونك عن الجبال فقُل ينسفُها ربي نَسفاً * فيذرها قاعاً صَفصَفاً * لا تَرَى فِها عِوَجاً ولا أمتا * يومئذٍ يتَّبِعُونَ الدَّاعِي لا عوجَ له وَخَشَعَتِ الأصوات للرحمنِ فلا تسمعُ إلا هَمساً * يومئذٍ لا تَنفَعُ الشَّفاعَةُ إلا من أَذِنَ لهُ الرحمنُ وَرَضي لهُ قَولاً * يَعلَمُ ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطونَ به علما * وعنتِ الوجوهُ للحي القيومِ وقد خاب من حملَ ظُلماً ) . (1)
يقول الله عز وجل إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو صاحب الإلوهية الحقة والكمالات التي لا يعتريها نقص وسع كل شيئا علما فهو سبحانه وتعالى يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون يعلم ماضي الأمور ومستقبلها يعلم كل شيء صاحب القدرة الكاملة والرحمة الشاملة والعلم الواسع .
قال سبحانه وتعالى ( إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو ) . كل مألوه سواه باطل وهو الإله الحق
ثم قال : (* كذلك نقُصُّ عليكَ من أنباءِ ما قد سَبَقَ ) كذلك يا محمد نقص عليك من أنباء ما قد سبق من الأمم .
(وقد ءَاتَينَاكَ من لَّدُنَّا ذِكراً) الذكر الذي آتاه الله هو القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد من اعرض عنه ، الضمير في ( عنه ) يعود على القرآن أي من أعرض عن القرآن فإنه يحمل يوم القيامة وزرا .
وزرا : حملاً عظيما ، نسأل الله العفو والعافية .
( خالدين فيه ) أي بسببه خالدين في نار جهنم (وَسَآءَ لهم يَومَ القِيامةِ حِملاً ) بئس الحمل الذي حملوه .
فيا عبد الله خفف عن نفسك أعمل بطاعة ربك أقرأ كتاب ربك تذكر بأنك ..... خلقت في هذه الدنيا وأنك ستموت وتفنى ولكن الله سيعيدك ولابد أن يعاتبك وستبقى بعد الحياة الثانية بعد أن يحييك الله عز وجل الحياة الثانية تبقى بقاء مؤبدا (خالدينَ فِيه وَسَآءَ لهم يَومَ القِيامةِ حِملاً) الشرك ، البدع ، الذنوب، المعاصي ،الفساد ،الفواحش ، المنكرات
وهكذا أنت يا عبد الله إن تورعت وانتهيت ومنعت نفسك منعت سمعك منعت بصرك منعت يدك من البطش من الحرام منعة رجلك من المشي إلى الحرام منعة جوارحك من استعمال الحرام منعت فمك من أكل الحرام ومن التلفظ بالحرام عند إذا ينفعك الله عز جل بهذا العمل وهذا ..... أما إن جعلت نفسك مطرقا كأنك لا حسيب عليك فأنت لابد أن تؤاخذ
قال سبحانه وتعالى: ( يوم ينفخُ في الصُّورِ ونحشُرُ المُجرِمِين يَومئذٍ زُرقاً * يتخافتُون بينهم إن لَّبِثتُم إلا عَشراً) المجرمين تكون علامتهم زرقة العيون وسواد الوجوه (ونحشُرُ المُجرِمِين يَومئذٍ زُرقاً * يتخافتُون بينهم)
التخافت في لغتنا مشهور لا يحتاج إلى تفسير : وهو الكلام الخفي بين اثنين (يتخافتُون بينهم إن لَّبِثتُم إلا عَشراً) أي ما لبثوا في القبور إلا عشرا (نحنُ أعلمُ بِما يقُولُون إذ يَقُولُ أَمثَلُهُم طَرِيقَةً إن لَّبِثتُم إلا يوما) وذلك أن الكفار الذين كانوا يعذبون بالبرزخ يرفع عنهم العذاب ما بين النفختين النفخة الأولى التي يكون فيها الصعق ويكون بعدها الموت فلا يبقى في السماوات ولا في الأرض حي كلهم يموتون ويفنون ويأتي تأويل قول الله سبحانه وتعالى ( كُلُّ من عَلَيها فَانٍ * ويبقى وجهُ ربِكَ ذُو الجلالِ والإكرام ) (2) يرفع عنهم العذاب أربعين سنة ثم بعد ذلك تأتي النفخة التي يقوم فيه الناس من قبورهم وحين إذا يظنون أنهم ما لبثوا إلا عشرة أيام أو يوما أو ما أشبه ذلك
قال الله سبحانه وتعالى : (ويسألونك عن الجبال) الجبال ضخامتها قوتها بنائها شدتها كيف تكون ؟ (فقُل ينسفُها ربي نَسفاً) الله سبحانه وتعالى ينسفها بعد أن تبث وتصير مثل الكثيف الذي يانهال وتمسكه الرياح فيسلط الله عليها الريح فتنسفها وتنسف كل ما على الأرض من مرتفع فتنزله وتساويه بالمنخفض هكذا حتى يحشر الناس على أرض لا علامة فيها لأحد وحينئذ يقول الله عز وجل : (فيذرها قاعاً صَفصَفاً) أي مستوية ( لا تَرَى فِها عِوَجاً ولا أمتا) أي أن الأرض تكون مستوية (يومئذٍ يتَّبِعُونَ الدَّاعِي لا عوجَ له ) الداعي هو: إسرافيل كما ذكر المفسرون أو بعض المفسرين هو إسرافيل – عليه السلام – بعد النفخ يدعوهم ( يا أيها الناس هلم إلى ربكم قال الله عز وجل : (يومئذٍ يتَّبِعُونَ الدَّاعِي لا عوجَ له وَخَشَعَتِ الأصوات للرحمنِ ) كذلك قوله ( يوم يدعُ الداعِ إلى شيءٍ نُّكُرٍ * خُشَّعاً أبصارُهُم يخرُجُونَ مِن الأجداثِ كأنَّهُم جرادٌ مُّنشرٌ * مُّهطِعِينَ إلى الداعِ يقولُ الكافِرُون هذا يوم عَسِر ) (3) إنا لله وإنا إليه راجعون فيا عبد الله ، يا عبد الله المسلم أحمد الله عز وجل الذي علمك كتابه والذي هداك للإسلام اقرأ كتاب الله تذكر به هذا اليوم تذكر به هذا اليوم تذكر به ذلك التذكر يمنحك ويحد صولتك النفسية والشهوانية يحد من صولتها عليك فترعوي وتتقي وتخضع لله رب العلمين
قال الله عز وجل (وَخَشَعَتِ الأصوات للرحمنِ) أهل السماوات وأهل الأرض أهل الأرض كلهم يحشرون إلى مكان واحد الأرض تمد وتتسع تنزل ملائكة السماوات فتصير صفوفا من بعدهم ( وجاءَ ربُّكَ والملكُ صفاً صفاً ) (4)
قوله : (فلا تسمعُ إلا هَمساً) الهمس هو وطء الأقدام والهمس هو الشيء الخفي والمراد به هنا وطء الأقدام يوم القيامة لا يستطيع أحدا أن يتكلم
ثم قال : (* يومئذٍ لا تَنفَعُ الشَّفاعَةُ إلا من أَذِنَ لهُ الرحمنُ ) لا تنفع الشفاعة أحدا إلا من أذن له الرحمن هذا تيئيس للمشركين الذين يطمعون في الشفاعة ويطلبونها من غير الله بأنها لا تنفعهم ( يومئذٍ لا تَنفَعُ الشَّفاعَةُ إلا من أَذِنَ لهُ الرحمنُ وَرَضي لهُ قَولاً) وذلك أن أبا هريرة سأل النبي – صلى الله عليه وسلم – من أحق الناس بشفاعتك يا رسول الله ؟ قال يا أبا هريرة : ( لقد ظننت أن لا يسألني عن هذا أحدا أول منك بما رأيت من حرصك على العلم إن أحق الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه )(5)
فالشفاعة تكون إكراما للشافع ورحمة للمشفوع له
ثم قال : (يَعلَمُ ما بين أيديهم وما خلفهم ) أي يعلم أعمالهم التي عملوها ويعلم ما هم قادمون عليه أهل السعادة ما هم قادمون عليه من النعيم المقيم وأهل الشقاوة ما هم قادمون عليه من العذاب الأليم
قال : (وعنتِ الوجوهُ للحي القيومِ وقد خاب من حملَ ظُلماً) عنت ، ذلت ، خشعت ، استكانت ، لله رب العالمين الجبابرة الذين كانوا متجبرين يخشعون يذلون يخضعون لله عز وجل (وعنتِ الوجوهُ للحي القيومِ وقد خاب ) خسر ، خسر ( من حملَ ظُلماً) وأشد الظلم هو الشرك ، صاغ قلبه بحسب ما هو فيه ونسأل الله العفو والعافية أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين إنه هو الغفور الرحيم .
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه ومن أتبعهم بإحسان إلى يوم الدين
قال الله عز وجل بعد قوله : ( وقد خاب من حملَ ظُلماً) قال بعد ذلك ( ومن يعمل من الصالحاتِ وهو مؤمنٌ فلا يخافُ ظُلماً ولا هضماً ) (6) من عمل ، عملا صالحا حال كونه مؤمن بالله عز وجل وبلقائه على شريعة من الشرائع من شرائع رسله – صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين – (ومن يعمل من الصالحاتِ وهو مؤمنٌ فلا يخافُ ظُلماً ولا هضماً) لا ظلم عليك يا عبد الله، الله وسعت رحمه كل شيء قال الله عز وجل : ( ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتُبُها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بائياتنا يؤمنون * الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ) (7) لا يخاف ظلما بأن يظلم من عمله ولا هضما نقصا له قال سبحانه وتعالى : ( وكذلك أنزلناه قُرأناً عربياً وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يُحدثُ لهم ذكراً ) (8) الله سبحانه وتعالى أنزل الكتاب للذكر قال سبحانه وتعالى : ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر )(9) فينبغي للمسلم أن يتذكر بهذا الكتاب يقرأه وإن لم يكن قارئا فليستمع والآن قد يسر الله عز وجل وسائل إيصال الخير إلى الناس في الأشرطة وغير ذلك حتى أن الإنسان الذي لا يقرأ يأخذ له مسجل ويأخذ له أشرطة ويستمع القراءة ويتذكر بها خير له من أن يجمع وسائل اللهو ووسائل التسلية كما يقول ثم بعد ذلك يكون مسئول عن هذه الأوقات التي قضاها في معصية الله والعياذ بالله
(وكذلك أنزلناه قُرأناً عربياً وصرفنا فيه من الوعيد) الله سبحانه وتعالى جعل القرآن تذكير وتذكره تأتي آيات الوعيد وتأتي بعدها آيات الوعد وتأتي آيات الوعد وتأتي بعدها آيات الوعيد تأتي صفات المؤمنين وتأتي بعدها صفات الكفار أو المنافقين وهكذا(لعلهم يتقون أو يُحدثُ لهم ذكرا * فتعالى اللهُ الملكُ الحقُّ ) تعالى وتقدس سبحانه وتعالى عما يصفه به الظالمون قال جل من قائل : ( ولا تعجل بالقرآنِ من قبلِ أن يقضى إليك وحيُهُ وَقُل رَّبِ زدني علما )(10) اللهم زدنا علما يا رب العالمين
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين يا رب العالمين اللهم أجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي هي منقلبنا وأجعل الحياة زيادة لنا في كل خير وأجعل الموت راحتا لنا من كل شر يا رب العلمين
اللهم من أرادنا وأراد المسلمين بسوء فأشغله في نفسه وأجعل تدميره في تدبيره ورد كيده في نحره يا سميع الدعاء اللهم من كاد لنا فكده ومن خدعنا فخدعه ومن مكر بنا فمكر به يا رب العالمين اللهم أعطنا ولا تحرمنا وزدنا ولا تنقصنا وأكرمنا ولا تهنا يا رب العالمين اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين ووفقهم للعمل بكتابك وسنتك وتحكيم شريعتك يا رب العالمين اللهم وفق إمامنا إمام المسلمين وخادم الحرمين الشريفين اللهم وفقه لما تحبه وترضى اللهم وفقه ووفق نائبه وإخوانه وأعوانه اللهم أرزقهم البطانة الصالحة التي تذكرهم إذا نسوا وتعينهم إذا ذكروا يا ب العلمين اللهم أنصر عبادك المسلمين المستضعفين الذين تسفك دمائهم وتزهق أرواحهم وتسلب أموالهم وتحتل ديارهم وتنتهك أعراضهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله اللهم أنصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين اللهم أنصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين اللهم أصلح شباب المسلمين اللهم أصلح شباب المسلمين اللهم وفقهم للعقيدة الصحيحة عقيدة أهل السنة والجماعة اللهم جنبهم الشرك والبدع والفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن يا رب العالمين ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولا ذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
______________
(1)سورة طه : الآيات : 97-111 .
(2)سورة الرحمن : الآيتان : 26-27 .
(3)سورة القمر : الآيات : 6-8 .
(4)سورة الفجر : الآية : 22 .
(5)أخرجه البخاري في الصحيح كتاب العلم باب الحرص على الحديث (1/233/الرقم 99) .
(6)سورة طه : الآية : 112.
(7)سورة الأعراف : الآيتان : 156-157.
(8)سورة طه : الآية :113.
(9)سورة القمر : الآية :17.
(10)سورة طه : الآية :114.