أضواء إسلامية على بعض الأفكار
الخاطئة
بقلم الشيخ ربيع بن هادي
المدرس بالمعهد الثانوي بالجامعة
نشر في مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية في العدد 16 شهر
ربيع الثاني عام 1392هـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور
أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى
آله وصحبه وسلم.
وبعد: فإن من أغرب الأمور وأعجبها وأشدها وقعا على قلب كل مؤمن
واع وأشدها حيرة لعقله وأذهبها للبّه ما وقع فيه كثير من المنتسبين للإسلام من ضلال
بعيد في الفكر وانحراف خطير في المعتقد وانحدار فيه إلى مستوى من الجاهلية لم تبلغه
أيّ جاهلية مضت على مدار التاريخ.
صحيح أن المشركين في كل جاهلية قد عبدوا الطواغيت والأوثان من
دون الله واستكبروا في الأرض وكذبوا الرسل وعاندوهم أشد العناد والمكابرة.
غير
أن احتجاجهم لشركهم وتعصبهم لوثنيتهم ما كان يتجاوز أن آلهتهم تقربهم إلى الله زلفى
((الزمر)) وأن هذا أمر اعتادوه وألفوه وورثوه عن آبائهم كما يقص علينا القرآن وهو
أصدق حديث عرفته البشرية {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ
زُلْفَى} {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى
آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ
مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ
وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} الزخرف.
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ
إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ قَالُوا نَعْبُدُ
أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ
أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ
يَفْعَلُونَ}.
فأنت ترى أنهم لا يبالغون ولا يهولون في تمجيد آلهتهم ولا
يتجاوزون الواقع الذي كان عليه معبوداتهم من أنها لا تسمع دعاءهم ولا تجلب لهم نفعا
ولا تدفع عنهم ضرا كل ما في الأمر أنهم قلدوا آباءهم في أمر وجدوهم عليه وتراث
يريدون الحفاظ عليه.
وإذا قرأت تاريخ الجاهلية ترى تعلق كثير منهم بمعبوداتهم فيه ضرب
من الاستخفاف فالرجل يحمل حجرا معه ليعبده فإذا وجد حجرا أجمل منه رمى حجره الأول
واتخذ الأخير معبوده الجديد ويتخذ الرجل معبوده يصنعه من التمر فإذا مسه الجوع أكله
بدون تردد أو وجل.
وكانوا إذا ركبوافي الفلك دعوا الله مخلصين له الدين ناسين
آلهتهم لأن ثقتهم فيها ضعيفة متجهين إلى الله الذي بيده النفع والضر والإنقاد من
الشدائد.
إن مثل هذا الكلام والأسلوب يزعج كثيرا من الناس ويثيرهم وأكثر
ما يزعج أولئك الصيادين الذين اتخذوا من سدانة القبور ومن كرامات الأولياء شبكات
لاصطياد الأغمار والبله والمغفلين قارن بين واقع المشركين الأولين الذي قصه الله
علينا وهو أصدق القائلين وبين عقائد هؤلاء الذين ينتسبون إلى الإسلام.
قارن بين ما تراه من أفعالهم وما تسمع من أقوالهم وما تقرؤه من
كتبهم في كرامات الأولياء ومراتبهم من أن هناك أقطابا وأوتادا وغوثا و. . . و. .
.الخ.
وما لهم من خوارق العادات ومن تصرفات في شؤون الكون واطلاع على الغيوب تر
العقائد الوثنية الأولى أقل جهلا وغلوا من عقائد هؤلاء المتأخرين، إنا نقول لهؤلاء
كما قال تعالى لأهل الكتاب _ لأن هؤلاء _ يزعمون أنهم أهل القرآن فنقول {تَعَالَوْا
إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا
نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ
اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} {يَا أَهْلَ
الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا
الْحَقّ}.
ونقول لعلمائهم إن كان فيهم علماء.
{لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ
بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.
تعالوا نحتكم إلى القرآن الحكيم الذي {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ
مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} كما
أمرنا الله {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ
وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ
خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}.
وإلى السنة المطهرة قول الرسول الكريم الذي لا
ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. ولا تكونوا كالذين قال الله فيهم {أَلَمْ تَرَ
إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا
أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ
أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً
بَعِيداً وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى
الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً} فإن صددتم
فاسمعوا قول الله {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا
شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ
وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً}.
وإن كنتم على استعداد للتحاكم إلى الرسول كما أمر الله بذلك فهنا
بعض المسائل نحب أن يركز الكلام عليها وأن يدور الحديث حولها وليس عليكم إلا أن
تتحلوا بالإنصاف وتتجردوا من التعصب وتقبلوا بعقولكم وقلوبكم وتصغوا بآذانكم بجد
إقبال من يريد الحق وعلى ضوء مناقشة تلك المسائل بالأدلة من الكتاب والسنة ستبين
لكم الحق من الباطل
وإليكم ما نريد مناقشته:
1_ دعاء غير الله
من الموتى والغائبين والاستغاثة بهم.
2_ إدعاء أن غير
الله يعلم الغيب سواءا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأنبياء
والأولياء.
3_ إدعاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ليس بشرا.
(المسألة الأولى _ وهي دعاء غير
الله)
نريد أن نعرف حقيقة الدعاء لغة وشرعا.
1_ قال في الصحاح دعوت
فلانا صحت به واستدعيته ودعوت الله له وعليه.
2_ وقال في القاموس الدعاء الرغبة
إلى الله.
3_ وقال في المصباح دعوت الله أدعوه دعاء ابتهلت إليه بالسؤال ورغبت
فيما عنده من الخير ودعوت زيدا ناديته وطلبت إقباله.
4_ وقال الحافظ ابن حجر في
الفتح: "والدعاء الطلب والدعاء إلى الشيء الحث على فعله ودعوت فلانا سألته ودعوته
إستغثته".
فالدعاء إذا استدعاء ورغبة ونداء وابتهال بالسؤال واستغاثة والذي يدعو
الله راغب إليه ومنادٍ له ومبتهل وسائل له ومستغيث به والداعي لغير الله من ميت
وغائب كذلك.
(حقيقة الدعاء في القرآن)
1_ قال تعالى: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ
هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} آل
عمران.
2_ وقال تعالى عن زكريا أيضا: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً
قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ
أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي
وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً}.
فالدعاء
المذكور في آل عمران سمّاه هنا نداء وفسر النداء في سورة مريم بطلب
الولد.
حقيقة الدعاء في السنة:
1_ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: "إذا دعا أحدكم فلا يقل اللهم اغفر لي إن شئت ولكن ليعزم المسألة وليعظم
الرغبة فإن الله سبحانه لا يتعاظمه شيء أعطاه".
فسمى ما يطلبه العبد من ربه دعاء
ومسألة رغبة وهو موافق لأقوال أئمة اللغة.
2-* *وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول قد دعوت فلم يستجب لي"
متفق عليه وأخرجه الترمذي.
3_ وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "إذا دعا أحدكم فليعزم الدعاء ولا يقل اللهم إن شئت فأعطي فإن الله لا
مستكره له" متفق عليه.
والأحاديث ومؤلفات العلماء وتراجمهم في الدعاء شيء لا
يأتي عليه العد بل عوام الناس إذا ذكر لفظ الدعاء لا يتبادر إلى أذهانهم إلا هذه
الحقيقة وهي النداء والسؤال والطلب.
إذا تقررت وفهمت حقيقة الدعاء على ضوء
الكتاب والسنة واللغة العربية وواقع الناس فالله تعالى قد أمرنا بدعائه ونهانا أشد
النهي عن دعاء غيره.
قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً
إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ
إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ
الْمُحْسِنِينَ}.
أمرنا الله بدعائه وعلمنا آداب الدعاء التي يرجى من ورائها
الإجابة وهي:
1_ التضرع 2_ الخفية 3_ الخوف 4_ الطمع.
وقال تعالى: {وَقَالَ
رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ
عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}.
فهنا ندب تبارك وتعالى عباده إلى دعائه وأخبر أن المستكبرين عن
دعائه مستكبرون عن عبادته لأن الدعاء أهم أنواع العبادة وأعظمها فالتارك لدعائه
استكبارا كافر سيدخل جهنم داخرا أي صاغرا وقد روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي
والنسائي وابن ماجة وأبن أبي حاتم عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: "إن الدعاء هو العبادة" ثم قرأ {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ
لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ
دَاخِرِينَ}.
قال الترمذي صحيح الإسناد ومعنى الدعاء هو العبادة كما قال العلماء
أي جلها ومعظمها كقوله صلى الله عليه وسلم "الحج عرفة" أي أعظم أركان الحج، وكقوله
صلى الله عليه وسلم "الدين النصيحة" ولا شك أن الدعاء كذلك ولذا تعبدنا الله به في
كل صلاة.
{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ
عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}.
هذه لمحة عن أهمية الدعاء وإشارة خاطفة إلى بعض ما أمرنا به ربنا
تعالى من دعائه وحده.
الخاطئة
بقلم الشيخ ربيع بن هادي
المدرس بالمعهد الثانوي بالجامعة
نشر في مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية في العدد 16 شهر
ربيع الثاني عام 1392هـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور
أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى
آله وصحبه وسلم.
وبعد: فإن من أغرب الأمور وأعجبها وأشدها وقعا على قلب كل مؤمن
واع وأشدها حيرة لعقله وأذهبها للبّه ما وقع فيه كثير من المنتسبين للإسلام من ضلال
بعيد في الفكر وانحراف خطير في المعتقد وانحدار فيه إلى مستوى من الجاهلية لم تبلغه
أيّ جاهلية مضت على مدار التاريخ.
صحيح أن المشركين في كل جاهلية قد عبدوا الطواغيت والأوثان من
دون الله واستكبروا في الأرض وكذبوا الرسل وعاندوهم أشد العناد والمكابرة.
غير
أن احتجاجهم لشركهم وتعصبهم لوثنيتهم ما كان يتجاوز أن آلهتهم تقربهم إلى الله زلفى
((الزمر)) وأن هذا أمر اعتادوه وألفوه وورثوه عن آبائهم كما يقص علينا القرآن وهو
أصدق حديث عرفته البشرية {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ
زُلْفَى} {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى
آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ
مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ
وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} الزخرف.
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ
إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ قَالُوا نَعْبُدُ
أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ
أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ
يَفْعَلُونَ}.
فأنت ترى أنهم لا يبالغون ولا يهولون في تمجيد آلهتهم ولا
يتجاوزون الواقع الذي كان عليه معبوداتهم من أنها لا تسمع دعاءهم ولا تجلب لهم نفعا
ولا تدفع عنهم ضرا كل ما في الأمر أنهم قلدوا آباءهم في أمر وجدوهم عليه وتراث
يريدون الحفاظ عليه.
وإذا قرأت تاريخ الجاهلية ترى تعلق كثير منهم بمعبوداتهم فيه ضرب
من الاستخفاف فالرجل يحمل حجرا معه ليعبده فإذا وجد حجرا أجمل منه رمى حجره الأول
واتخذ الأخير معبوده الجديد ويتخذ الرجل معبوده يصنعه من التمر فإذا مسه الجوع أكله
بدون تردد أو وجل.
وكانوا إذا ركبوافي الفلك دعوا الله مخلصين له الدين ناسين
آلهتهم لأن ثقتهم فيها ضعيفة متجهين إلى الله الذي بيده النفع والضر والإنقاد من
الشدائد.
إن مثل هذا الكلام والأسلوب يزعج كثيرا من الناس ويثيرهم وأكثر
ما يزعج أولئك الصيادين الذين اتخذوا من سدانة القبور ومن كرامات الأولياء شبكات
لاصطياد الأغمار والبله والمغفلين قارن بين واقع المشركين الأولين الذي قصه الله
علينا وهو أصدق القائلين وبين عقائد هؤلاء الذين ينتسبون إلى الإسلام.
قارن بين ما تراه من أفعالهم وما تسمع من أقوالهم وما تقرؤه من
كتبهم في كرامات الأولياء ومراتبهم من أن هناك أقطابا وأوتادا وغوثا و. . . و. .
.الخ.
وما لهم من خوارق العادات ومن تصرفات في شؤون الكون واطلاع على الغيوب تر
العقائد الوثنية الأولى أقل جهلا وغلوا من عقائد هؤلاء المتأخرين، إنا نقول لهؤلاء
كما قال تعالى لأهل الكتاب _ لأن هؤلاء _ يزعمون أنهم أهل القرآن فنقول {تَعَالَوْا
إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا
نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ
اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} {يَا أَهْلَ
الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا
الْحَقّ}.
ونقول لعلمائهم إن كان فيهم علماء.
{لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ
بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.
تعالوا نحتكم إلى القرآن الحكيم الذي {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ
مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} كما
أمرنا الله {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ
وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ
خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}.
وإلى السنة المطهرة قول الرسول الكريم الذي لا
ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. ولا تكونوا كالذين قال الله فيهم {أَلَمْ تَرَ
إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا
أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ
أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً
بَعِيداً وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى
الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً} فإن صددتم
فاسمعوا قول الله {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا
شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ
وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً}.
وإن كنتم على استعداد للتحاكم إلى الرسول كما أمر الله بذلك فهنا
بعض المسائل نحب أن يركز الكلام عليها وأن يدور الحديث حولها وليس عليكم إلا أن
تتحلوا بالإنصاف وتتجردوا من التعصب وتقبلوا بعقولكم وقلوبكم وتصغوا بآذانكم بجد
إقبال من يريد الحق وعلى ضوء مناقشة تلك المسائل بالأدلة من الكتاب والسنة ستبين
لكم الحق من الباطل
وإليكم ما نريد مناقشته:
1_ دعاء غير الله
من الموتى والغائبين والاستغاثة بهم.
2_ إدعاء أن غير
الله يعلم الغيب سواءا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأنبياء
والأولياء.
3_ إدعاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ليس بشرا.
(المسألة الأولى _ وهي دعاء غير
الله)
نريد أن نعرف حقيقة الدعاء لغة وشرعا.
1_ قال في الصحاح دعوت
فلانا صحت به واستدعيته ودعوت الله له وعليه.
2_ وقال في القاموس الدعاء الرغبة
إلى الله.
3_ وقال في المصباح دعوت الله أدعوه دعاء ابتهلت إليه بالسؤال ورغبت
فيما عنده من الخير ودعوت زيدا ناديته وطلبت إقباله.
4_ وقال الحافظ ابن حجر في
الفتح: "والدعاء الطلب والدعاء إلى الشيء الحث على فعله ودعوت فلانا سألته ودعوته
إستغثته".
فالدعاء إذا استدعاء ورغبة ونداء وابتهال بالسؤال واستغاثة والذي يدعو
الله راغب إليه ومنادٍ له ومبتهل وسائل له ومستغيث به والداعي لغير الله من ميت
وغائب كذلك.
(حقيقة الدعاء في القرآن)
1_ قال تعالى: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ
هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} آل
عمران.
2_ وقال تعالى عن زكريا أيضا: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً
قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ
أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي
وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً}.
فالدعاء
المذكور في آل عمران سمّاه هنا نداء وفسر النداء في سورة مريم بطلب
الولد.
حقيقة الدعاء في السنة:
1_ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: "إذا دعا أحدكم فلا يقل اللهم اغفر لي إن شئت ولكن ليعزم المسألة وليعظم
الرغبة فإن الله سبحانه لا يتعاظمه شيء أعطاه".
فسمى ما يطلبه العبد من ربه دعاء
ومسألة رغبة وهو موافق لأقوال أئمة اللغة.
2-* *وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول قد دعوت فلم يستجب لي"
متفق عليه وأخرجه الترمذي.
3_ وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "إذا دعا أحدكم فليعزم الدعاء ولا يقل اللهم إن شئت فأعطي فإن الله لا
مستكره له" متفق عليه.
والأحاديث ومؤلفات العلماء وتراجمهم في الدعاء شيء لا
يأتي عليه العد بل عوام الناس إذا ذكر لفظ الدعاء لا يتبادر إلى أذهانهم إلا هذه
الحقيقة وهي النداء والسؤال والطلب.
إذا تقررت وفهمت حقيقة الدعاء على ضوء
الكتاب والسنة واللغة العربية وواقع الناس فالله تعالى قد أمرنا بدعائه ونهانا أشد
النهي عن دعاء غيره.
قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً
إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ
إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ
الْمُحْسِنِينَ}.
أمرنا الله بدعائه وعلمنا آداب الدعاء التي يرجى من ورائها
الإجابة وهي:
1_ التضرع 2_ الخفية 3_ الخوف 4_ الطمع.
وقال تعالى: {وَقَالَ
رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ
عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}.
فهنا ندب تبارك وتعالى عباده إلى دعائه وأخبر أن المستكبرين عن
دعائه مستكبرون عن عبادته لأن الدعاء أهم أنواع العبادة وأعظمها فالتارك لدعائه
استكبارا كافر سيدخل جهنم داخرا أي صاغرا وقد روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي
والنسائي وابن ماجة وأبن أبي حاتم عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: "إن الدعاء هو العبادة" ثم قرأ {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ
لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ
دَاخِرِينَ}.
قال الترمذي صحيح الإسناد ومعنى الدعاء هو العبادة كما قال العلماء
أي جلها ومعظمها كقوله صلى الله عليه وسلم "الحج عرفة" أي أعظم أركان الحج، وكقوله
صلى الله عليه وسلم "الدين النصيحة" ولا شك أن الدعاء كذلك ولذا تعبدنا الله به في
كل صلاة.
{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ
عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}.
هذه لمحة عن أهمية الدعاء وإشارة خاطفة إلى بعض ما أمرنا به ربنا
تعالى من دعائه وحده.
.