انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى قائم على منهج السلف الصالح في فهم النصوص الشرعية


    التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي

    أبو عبيدة الأثري
    أبو عبيدة الأثري
    مدير


    عدد الرسائل : 642
    الرتبة : التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي Ytyhyig4
    السٌّمعَة : 1
    نقاط : 109
    تاريخ التسجيل : 23/05/2008

    التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي Empty التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي

    مُساهمة من طرف أبو عبيدة الأثري الأربعاء مايو 28, 2008 10:32 am

    التقليد والإفتاء والاستفتاء
    بسم الله الرحمن الرحيم
    المقدمة
    الحمد لله الذي أمرنا باتباع المنزَّل في كتابه: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ والصلاة والسلام على رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي دعا الناس إلى الهداية، وحثّهم على التمسك بالكتاب والسنة، والقائل: ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم وعلى آله وأصحابه، الذين بادروا إلى امتثال أوامره، والانتهاء عن نواهيه، وتحرروا من قيود التقليد، وعلى من تبعهم من المجتهدين من أئمة المسلمين الذين بذلوا أقصى جهودهم العقلية في استمداد الأحكام الشرعية من مصادرها، واستخرجوا من نصوص الشريعة كنوزًا تشريعية ثمينة، والذين عُنوا بوضع قواعد للاستمداد وقوانين للاستنباط، صلاة وسلامًا إلى يوم الدين.

    أما بعد، فإنه من المعروف لدى كل لبيب أن خير ما أنفق الإنسان فيه نفيس أوقاته، وهجر لأجله الأولاد والأخلاء والأصحاب، هو اكتساب العلم والاشتغال به ؛ إذ هو السبب لإنارة الطريق الموصلة إلى الله -سبحانه- وإلى رضاه، وبالتالي إلى سعادة الدارين، وشرف المنزلتين، وبقاء الذكر الحسن مدى الحياة، كما قال -سبحانه- حكايةً عن إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-: وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ .

    من أجل ذلك استمددت العون من الله، وعزمت على المساهمة في الكتابة والإدلاء بدلوي، واخترت أن يكون بحثي في علم أصول الفقه؛ لأنه الأصل والعكازة التي يرتكز عليها الأئمة المجتهدون لاستنباط الأحكام الشرعية، وبعد وقفة تأمل في اختيار موضوع البحث، ترجح لدي أن يكون موضوع بحثي: " التقليد والإفتاء والاستفتاء "؛ وإنما اخترت هذا البحث للأسباب التالية:

    1- أن كثيرًا من الناس وقع في التقليد المحرم، كأن يقلد آباءه في بعض فروع الدين فيما فيه مخالفة للشريعة، أو يقلد بعد قيام الحجة وظهور الدليل، أو يقلد من ليس أهلًا للتقليد.

    2- أن فتنة المقلدين عظيمة، تركوا لأجله نصوص الكتاب والسنة؛ اكتفاء بآراء الرجال.

    3- أن التقليد ليغير من يجوز له يعمي البصيرة، ويلغي العقل، ويسد باب الاجتهاد والنظر والفكر في فهم النصوص.

    طريقة البحث

    لذا رأيت أن أبيّن في بحثي أنواع التقليد، وأنه لا يجوز إلا عند الحاجة والضرورة، وأن التقليد ليس بعلم، وأن طريقة الأئمة المجتهدين كانت اتباع الحجة والنهي عن تقليدهم، ثم أبيّن -بعد ذلك- ما يتبعه من أحكام الإفتاء والاستفتاء.

    ورتبت هذه المباحث على: تمهيد، وأربعة أبواب، وخاتمة:

    فالتمهيد: في معنى التقليد لغة، ومعناه اصطلاحًا، وأمثلة له، ونتائج من تعريف التقليد وأمثلته، ووجه الارتباط بين المعنى اللغوي والاصطلاحي، والفرق بين التقليد والاتباع، ونبذة تاريخية عن أدوار الفقه ومراحله، ومتى كان دور التقليد.

    والباب الأول: في التقليد، وفيه فصلان: الفصل الأول في أقسامه، والفصل الثاني في أسباب التقليد ومراحله.

    والباب الثاني: في المفتي، وفيه فصلان: الفصل الأول في أقسامه، والفصل الثاني في ما يتعلق بالمفتي.

    والباب الثالث: في المستفتي، وفيه فصلان: الفصل الأول في أقسام المستفتي، والفصل الثاني فيما يتعلق بالمستفتي.

    والباب الرابع: فيما فيه الاستفتاء، وفيه فصلان: الفصل الأول في الاستفتاء في القضايا العلمية، والفصل الثاني في القضايا الظنية الاجتهادية.

    وأما الخاتمة فتتضمن المباحث الآتية:

    1- جواز الأخذ بأقوال الصحابة والتابعين وأنه ليس من التقليد.

    2- فوائد وإرشادات تتعلق بالإفتاء.

    3- أمثلة من فتاوى إمام المفتين رسول رب العالمين.

    وقصدت من ذلك الوصول إلى الحق في المسائل التي بحثتها؛ لذلك قرنت الأقوال بالأدلة -حسب الاستطاعة- مع المناقشة؛ ليتبين للناظر من خلال ذلك من هو الأسعد بالدليل.

    وأرجو الله أن ينفع بها في الدنيا، وأن يثيبني عليها في العقبى، إنه سميع مجيب.

    وهذا أوان الشروع فيما قصدت، ومن الله أستمد المعونة والسداد، وأستلهمه الرشاد فيما أردت، وهو حسبي ونعم الوكيل.


    عدل سابقا من قبل أبو عبيدة الأثري في الأربعاء مايو 28, 2008 11:34 am عدل 1 مرات
    أبو عبيدة الأثري
    أبو عبيدة الأثري
    مدير


    عدد الرسائل : 642
    الرتبة : التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي Ytyhyig4
    السٌّمعَة : 1
    نقاط : 109
    تاريخ التسجيل : 23/05/2008

    التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي Empty رد: التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي

    مُساهمة من طرف أبو عبيدة الأثري الأربعاء مايو 28, 2008 10:34 am

    التمهيد
    ويتناول البحث فيما يلي:

    ( أ ) معنى التقليد لغة.

    ( ب ) معنى التقليد اصطلاحًا.

    ( ج ) أمثلة له.

    ( د ) نتائج من تعريف التقليد وأمثلته.

    ( هـ ) وجه الارتباط بين المعنى اللغوي والاصطلاحي.

    ( و ) الفرق بين التقليد والاتباع.

    ( ز ) نبذة تاريخية عن أدوار الفقه ومراحله ومتى كان دور التقليد.

    ( أ ) معنى التقليد لغة:

    التقليد في اللغة: وضع الشيء في العنق محيطًا به، ومنه تقليد الهدي، ويسمى الشيء المحيط بالعنق "قلادة"، والجمع: "قلائد". قال الله -تعالى-: وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ ومنه قوله -عليه الصلاة والسلام- في الخيل: لا تقلدوها الأوتار .

    ومنه قول الشاعر:

    قلــدوهــا تمــائما

    خوف واش وحــاسد


    وفي القاموس: وقلدتها قلادة، جعلتها في عنقها، ومنه: تقليد الولاة الأعمال، وتقليد البدنة يعلم بها أنها هدي. ا هـ .

    ويستعمل التقليد في تفويض الأمر إلى الغير مجازًا، كأنه ربط الأمر بعنقه، ومنه قول لفيظ الإيادي: وقلِّـدوا أمـرَكم للـه دركمـوا

    رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعًا



    ( ب ) تعريف التقليد اصطلاحًا:

    ( جـ ) أمثلة له:

    ( د ) نتائج من تعريف التقليد وأمثلته:

    للأصوليين في تعريف التقليد عبارات مختلفة، إلّا أن أكثرها متقاربة المعنى، وقد اخترت ثلاثةً من هذه التعاريف، وأرجعت إليها بقية التعاريف، مع اختيار أمثلها في نظري.

    التعريف الأول:

    عرف الآمدي التقليد بأنه: العمل بقول الغير من غير حجة ملزمة .

    والمراد بـ "العمل بقول الغير": اعتقاد صحة قوله، وتنفيذه، وهو مراد من عرف التقليد " بقبول قول الغير "؛ فإن القبول يستلزم الاعتقاد، ويفضي إلى العمل والتنفيذ، والمراد بـ (القول ) ما يشمل الفعل والتقرير، وإطلاق القول حينئذ من باب التغليب، وهذا ما فسّره به سعد الدين التفتازاني في حاشيته على شرح القاضي عضد الدين وتابعه عليه البنائي في حاشية على جمع الجوامع.

    وقد استشكل الشربيني في تقريره هذا التعميم، بأن الفعل والتقرير لا يظهر جواز العمل بمجردهما من المجتهد لجواز سهوه وغفلته، وإنما يعوّل على الفعل والتقرير الواقعين من الرسول -صلى الله عليه وسلم-، لكن ذلك ليس بتقليد بل استدلال، ثم أورد اعتراضًا بأنه قد يقترن التقرير بما يدل على الرضا بالفعل وعدم الغفلة، ودفعه بأنه يجوز أنه قد رضيه لكونه مذهب غيره وقلده فيه، فلا يكون من اجتهاده ورأيه. والمراد بالحجة: ما يجب العمل به ويلزم، والمراد بها الحجة العامة، وهي الدليل المعتبر شرعًا لإثبات الأحكام: كالكتاب، أو السنة، أو الإجماع.

    والتقييد بالإلزام في التعريف تصريح بمفهوم الحجة أو بلازمها، فهو وصف كاشف وليس قيدًا فيها.

    والعمل بقول الغير من غير حجة تقوم على وجوب العمل به، يخرج عن حقيقة التقليد ما يأتي:

    1- العمل بقول الله تعالى؛ لأنه عمل مبني على الحجة، وهي الأدلة الدالة على وجوب الإيمان به وبملائكته وكتبه ورسله.

    2- العمل بقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ فإنه مبني على الحجة القاطعة، وهي أمر الله باتباع رسوله والعمل بما جاء به.

    3- العمل بقول أهل الإجماع؛ فإنه عمل قائم على الحجة، وهي دلالة كتاب الله تعالى، وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام- على وجوب العمل بقولهم.

    4- عمل القاضي بشهادة الشهود والحكم بها؛ فإنه مبني على ما ورد في الكتاب والسنة، ودل عليه الإجماع، من وجوب الحكم بها إذا وقعت مستوفية لأركانها وشروطها.

    5- عمل العامي بقول المفتي؛ فإنه مبني على حجة، وهي دلالة الإجماع على وجوب رجوع العامي إلى المفتي فيما يحتاج إليه والعمل بما يفتيه به.

    6- العمل برواية الراوي؛ لأن العمل بها مبني على حجة , وهي الأدلة الدالة على وجوب العمل بالرواية الصحيحة، كحديث: بلغوا عني ولو آية ، وحديث: ليبلغ الشاهدُ الغائبَ .

    7 - العمل بقول الصحابي، إذا لم يخالفه غيره؛ لأن قوله حجة على الراجح كما سيأتي.

    وعرف التقليد كل من ابن عبد الشكور في مسلّم الثبوت، والقاضي عضد الدين في شرح مختصر ابن الحاجب بأنه: " العمل بقول الغير من غير حجة " وهو مثل تعريف الآمدي إلا أنه ينقص عنه التصريح بوصف الإلزام، ولا قيمة لهذا النقص؛ لما سبق آنفًا من أن التصريح بالإلزام تصريح بمفهوم الحجة أو لازمها، فلا يضر حذفه من التعريف، ولا ينقص بعدم وجوده شيئًا.

    وعرف ابن الحاجب في المختصر التقليد بأنه: " العمل بقول غيرك من غير حجة " وهو مثل تعريف الآمدي إلا أن ابن الحاجب عدل عن التعبير بالغير إلى التعبير بغيرك، وهما بمعنى واحد؛ لأن "ال" عوض عن المضاف إليه، ولعل سرّ عدوله هو ما يراه البعض من أهل اللغة من عدم دخول "ال" على "غير"؛ بسبب تمكّنها وتوغلها في الإبهام.

    وعرف الغزالي في المستصفى التقليد بأنه: " قبول قول بلا حجة " .

    وعرفه ابن قدامة في روضة الناظر بأنه: " قبول قول الغير من غير حجة " .

    وعرفه عبد المؤمن بن كمال الدين الحنبلي في قواعد الأصول بأنه: " قبول قول الغير بلا حجة " .

    وعرفه إمام الحرمين في الورقات بأنه: " قبول قول القائل بلا حجة" .

    وهذه التعاريف الأربعة الأخيرة تماثل تعريف الآمدي بعد إرجاع معنى قبول قول الغير إلى العمل به كما تقدم.

    ويتضح من هذه التعاريف أن التقليد يشمل الصور الآتية:

    1- عمل العامي بقول عامي مثله.

    2- عمل المجتهد بقول مجتهد مثله، سواء اجتهد أو لم يجتهد.

    3- عمل المجتهد بقول العامي.

    إذ لا تقوم حجة على وجوب العمل بقول هؤلاء.

    لكن يلاحظ على تعريف الآمدي والتعريفات التي تدور في فلكه ما يأتي:

    1- عدم شمول التقليد لعمل العامي بقول المفتي؛ لوجود الحجة على رجوع العامي إلى المفتي، وهو الإجماع المستند إلى الكتاب والسنة على رجوعه إليه، مع أن دخول هذه الصورة أصبح معروفًا مشهورًا لدى العلماء، واعتذر الآمدي بأنه لا مانع من تسميته تقليدًا في العرف؛ لأن هذا اصطلاح ولا مشاحة فيه - غير مقبول؛ لأن المسألة ليست من باب الاصطلاح في التسمية، وإنما هي بيان حقائق يترتب عليها أحكام تختلف باختلاف هذه التسمية.

    2- قصر التقليد على الصورة المذكورة آنفًا لا يجعل له صورة مشروعة، مع أن هذا خلاف الواقع؛ إذ قال جمهور العلماء بجواز تقليد العامي للمجتهد.

    3- أن الظاهر - بالحجة - هي الحجة الخاصة، وهي الدليل الخاص على حكم القول الخاص، وهو الذي يخرج به الإنسان عن دائرة التقليد، وليس المراد الحجة العامة المثبتة لوجوب العمل.

    التعريف الثاني:

    عرّف ابن السبكي في جمع الجوامع التقليد بأنه: "أخذ القول من غير معرفة دليله" والمراد بأخذ القول: قبوله واعتقاد صحته والعمل به. ويفسر الجلال المحلي معرفة الدليل:

    بالمعرفة التي توصل إلى استفادة الحكم من هذا الدليل، وهذه لا تتوفر إلا للمجتهد؛ لأنها تتوقف على سلامة الدليل من المعارض، وهذه السلامة تتوقف على البحث واستقراء الأدلة كلها، وهذا شأن المجتهد؛ إذ لا يستطيع العامي الوصول إلى هذه المعرفة.

    وبناء على هذا أخرج: أخذ قول المجتهد مع معرفة دليله، من التقليد؛ لأنه اجتهاد وافق اجتهاد القائل.

    والمراد بالدليل هنا: دليل القول الذي يأخذ به المقلِّد، وهو الحجة الخاصة، كما هو ظاهر من مرجع الضمير.

    ويماثل هذا التعريف التعريفات الآتية:

    1- تعريف الشيخ زكريا الأنصاري في غاية الوصول بأنه: " أخذ قول الغير من غير معرفة دليله " .

    ولا فرق بينهما؛ لأن "ال" في القول، في تعريف ابن السبكي عوض عن المضاف إليه، وهو "الغير" في تعريف الشيخ زكريا

    2- تعريف الفتوحي في الكوكب المنير بأنه: "أخذ مذهب الغير من غير معرفة دليله" ولا فرق بين بينه وبين سابقيْه، فإن المذهب يراد به رأي المجتهد في المسألة، وهو قول من الأقوال.

    3- تعريف ابن تيمية في المسودة بأنه: "القول بغير دليل" .

    فإن المراد بأخذ القول في التعريفات المتقدمة الأخذ المعنوي، وهو القبول والمراد بنفي الدليل في تعريف ابن تيمية نفي المعرفة؛ فاتفق تعريفه مع التعريفات السابقة.

    4- تعريف القفال الشاشي بأنه: "قبول القائل، وأنت لا تدري من أين قاله" أي: لا تعلم مأخذ قوله، وهو مثل التعريفات السابقة.

    5-تعريف الشيخ أبو حامد والأستاذ أبو منصور بأنه:

    "قبول القول من غير حجة تظهر على قوله .

    أي: على قول القائل، وهو أيضًا مثل التعريفات السابقة.

    6- تعريف ذكره الشوكاني من غير أن يعزوَه إلى أحد بأنه: قبول قول الغير دون حجته .

    أي: دون معرفة حجة هذا القول، وهو كذلك راجع إلى التعريفات السابقة.

    وبالنظر في التعريفات المذكورة يتبين لنا أنها تشمل الصور الآتية:

    1- أخذ العامي بقول العامي.

    2- أخذ المجتهد الذي لم يجتهد في المسألة بقول مجتهد آخر، من غير بحث في دليله.

    3- أخذ العامي بقول المجتهد.

    4- أخذ المجتهد بقول العامي، ويتصور ذلك في حكم قاله العامي وأخذ به المجتهد، من غير أن يعرف دليله.

    ويخرج عنه الصورة الآتية، وهي:

    أخذ المجتهد بقول مجتهد آخر إذا عرف دليله؛ لأن هذه من صور الاجتهاد كما تقدم.

    لكن يلاحظ على هذه التعريفات أنها ليست صريحة في إخراج الرجوع إلى السنة وإلى الإجماع من دائرة التقليد وحقيقته، مع أن الرجوع إليهما ليس من باب التقليد بالإجماع، ذلك أن الأخذ بقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-، أو قول أهل الإجماع من غير معرفة هذا الدليل، يعتبر تقليدا بناء على هذه التعريفات، مع أن الرجوع إلى كل منها ليس من التقليد في شيء؛ لذلك يحتاج التعريف -في نظري- إلى قيد صريح يخرج هاتين الصورتين عن دائرة التقليد.

    التعريف الثالث:

    للشيخ المحقق الكمال بن الهمام في كتابه التحرير، عرفه بأنه:

    " العمل بقول من ليس قوله إحدى الحجج بلا حجة منها " .

    وهذا التعريف قد تلافى المؤخذات التي أوردتها على التعريفات السابقة، فإن تقييد الغير - بمن ليس قوله إحدى الحجج - يخرج من دائرة التقليد: العمل بقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-، والعمل بقول أهل الإجماع؛ لأن قول الرسول عليه السلام حجة، وكذلك قول أهل الإجماع.

    ويخرج أيضًا عمل القاضي بشهادة الشهود العدول؛ فإنه عمل بقول أهل الإجماع المستند إلى الكتاب والسنة بوجوب حكم القاضي عند شهادة العدول.

    ومثل ذلك أيضًا بالنسبة للعمل بالرواية؛ لأنه عمل بالإجماع على قبول الرواية الصحيحة، وكذلك بالنسبة لقول الصحابي عند من يرى حجيته.

    وكذلك شمل هذا التعريف رجوع العامي إلى المفتي، كما هو المشهور والمتعارف لدى العلماء، فإن قول المفتي ليس إحدى الحجج، ويستند العامي إلى قوله لا إلى حجة تفصيلية أو إجمالية فدخل عمل العامي بقول المفتي في حقيقة التقليد.

    والمراد بالحجة في هذا التعريف: الحجة الخاصة، وهي الدليل الخاص على الحكم الخاص، ولا يأبى التعريف إرادة الحجة بالمعنى العام.

    ورغم أن هذا التعريف أمثل التعريفات في نظري، إلا أنني لم أرَ من تابعه عليه سوى ما نقله الشوكاني في ثنايا التعريفات التي ساقها للتقليد بأنه:

    " رأي من لا تقوم به الحجة بلا حجة " ولم يعزه لأحد، وهو نفس تعريف الكمال بن الهمام

    ( هـ ) وجه الارتباط بين المعنى اللغوي والاصطلاحي:

    إذا نظرنا إلى التقليد في معناه اللغوي وفي معناه الاصطلاحي وجدنا أن كلا المعنيين فيه تحمّل، فالتقليد في معناه اللغوي فيه تحمّل الأشياء الحسيّة، والتقليد في معناه الاصطلاحي فيه تحمّل الأمور المعنوية.

    ووجه جعل التقليد من العامي كالقلادة في عنق المجتهد أنه: بتقليده له كأنه طوّقه ما في ذلك الحكم من تبعه -إن كانت- وجعلها في عنقه.

    أو بعبارة أوضح: كأن المقلِّد يطوِّق المجتهد إثم ما غشه به في دينه وكتمه عنه من علمه، أخذًا من قوله -تعالى-: أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ على جهة الاستعارة .

    ( و ) الفرق بين التقليد والاتباع:?

    قد يظن الناظر بادئ ذي بدء أن التقليد والاتباع شيء واحد، ولكن المتأمل يجد بينهما فرقًا واضحًا.

    فالتقليد: هو أن تأخذ أو تعمل بقول أو عمل لغيرك لم يوجبه الدليل عليك، ولم يجزه لك، كأخذ العامي أو المجتهد عن العامي مثلًا؛ فإن الدليل لا يوجب ذلك ولا يجيزه، ما عدا أخذ العامي عن المجتهد، وأخذ المجتهد بقول غيره في حالات خاصة -كما سيأتي بيان ذلك في التقليد الواجب والتقليد الجائز. والاتباع: هو أن تأخذ أو تعمل بقول أو عمل أوجبه الدليل عليك، وذلك كأن تأخذ بما جاء في القرآن الكريم، أو عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكأن يأخذ القاضي بقول الشهود العدول؛ فإن الدليل أوجب العمل والأخذ بذلك.

    فالتقليد والاتباع يتفقان في أن كل منهما أخذ وعمل بقول الغير، ويفترقان في أن التقليد أخذ وعمل بغير حجة ودليل، والاتباع أخذ وعمل بالحجة والدليل .

    ( ز ) نبذة تاريخية عن أدوار الفقه، ومراحله، ومتى كان دور التقليد:

    يذهب بعض المؤرخون لتاريخ الفقه الإسلامي إلى تقسيمه إلى أربعة عهود:

    1- عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.

    2- عهد الصحابة حتى أواخر القرن الأول الهجري.

    3- عهد التدوين والاجتهاد حتى منتصف القرن الرابع الهجري.

    4- عهد التقليد، بعد منتصف القرن الرابع الهجري .

    ويذهب الشيخ محمد الخضري في كتابه تاريخ التشريع الإسلامي إلى تقسيمه إلى ستة أدوار مبنيًا على العصور المتمايزة:

    1- التشريع في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهو الأصل الذي يصرح كل فقيه أنه مستند إليه.

    2- التشريع في عهد كبار الصحابة وينتهي هذا العهد بانتهاء الخلفاء الراشدين.

    3- التشريع في عهد صغار الصحابة ومن ضاهاهم من التابعين وينتهي بانتهاء القرن الأول الهجري، أو بعده بقليل.

    4- التشريع في العهد الذي صار فيه الفقه علمًا من العلوم، وظهر فيه نوابغ الفقهاء الذين صارت بيدهم مقاليد الزعامة الدينية، وينتهي هذا الدور بانتهاء القرن الثالث الهجري.

    5- التشريع في العهد الذي دخلت فيه المسائل الفقهية في دور الجدل، لتحقيق المسائل المتلقاة عن الأئمة، وظهور المؤلفات الكبيرة، وينتهي هذا العهد بسقوط بغداد ونهاية الدولة العباسية وظهور التتار على ممالك الإسلام.

    6- التشريع في عهد التقليد المحض، وهو ما بعد سقوط بغداد إلى العصر الحاضر
    أبو عبيدة الأثري
    أبو عبيدة الأثري
    مدير


    عدد الرسائل : 642
    الرتبة : التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي Ytyhyig4
    السٌّمعَة : 1
    نقاط : 109
    تاريخ التسجيل : 23/05/2008

    التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي Empty رد: التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي

    مُساهمة من طرف أبو عبيدة الأثري الأربعاء مايو 28, 2008 10:35 am

    روح التقليد وحقيقته
    يراد بالتقليد: تلقي الأحكام من إمام معين، واعتبار أقواله كأنها نصوص من الشارع يلزم المقلِّد اتباعها.

    ولا شك أنه في كل دور من الأدوار السابقة مجتهدون ومقلدون.

    ويراد بالمجتهدين الفقهاء الذين يدرسون الكتاب والسنة، ويكون عندهم من المقدرة ما يستنبطون به الأحكام من ظواهر النصوص أو من معقولها.

    ويراد بالمقلدين العامة، الذين لم يشتغلوا بدراسة الكتاب والسنة دراسة تؤهلهم إلى الاستنباط.

    فهؤلاء المقلدون إذا نزل بأحدهم نازلة، فزع إلى فقيه من فقهاء بلده؛ يستفتيه فيما نزل به فيفتيه، وهؤلاء كانوا موجودين في كل عصر، ولكن في دور التقليد -الذي سبقت الإشارة إليه- سرت روح التقليد فيه سريانًا عامًا، اشترك فيه العلماء وغيرهم، فبعد أن كان الفقيه يشتغل بدراسة الكتاب وبرواية السنة، اللذين هما أساس الاستنباط، أصبح الفقيه في هذا الدور يتلقى كتب إمام معين، ثم يدرس طريقته التي استنبط بها ما دوّنه من الأحكام، فإذا فعل ذلك سُمي عالمًا فقيهًا.

    ومنهم من تسمو همته، فيؤلف كتابًا في أحكام إمامه: إما اختصارًا لمؤلف سبقه، أو شرحًا له، أو جمعًا لما تفرق في الكتب، أو ترتيبًا، لكنه لا يستجيز أن يخالف إمامه في مسألة، حتى قال بعض متعصبي المذهب: كل آية تخالف ما عليه أصحابنا فهي مؤولة أو منسوخة، وكل حديث كذلك.

    ولم يكن لهم من الحرية الكاملة والصراحة، التي تمتع بها الأئمة، التي بها يقول الشافعي اليوم بالرأي يظهر له، ثم لا يمنعه مانع أن يغيره في الغد، إذا ظهر له الدليل، وما للصحابة من ذلك، وعلى رأسهم عمر بن الخطاب الذي يقضي العام بحرمان الأخوة الأشقاء مع إخوة الأم في مسألة المشركة، وفي العام المقبل يشرك بين الأخوة جميعًا، ويقول: ذاك على ما قضينا وهذا على ما نقضي.

    ولا يخطر ببال هؤلاء الأئمة الفحول العصمة لأى إمام في اجتهاده، وأثر عن كل واحد منهم هذه العبارة المشهورة: إذا صح الحديث فهو مذهبي، واضربوا بقولي عرض الحائط.

    أما علماء هذا الدور فقد التزم كل منهم مذهبًا معينًا لا يتعداه، ويبذل كل ما أوتى مقدرة وقوة في نصرة ذلك المذهب جملة وتفصيلًا .
    أبو عبيدة الأثري
    أبو عبيدة الأثري
    مدير


    عدد الرسائل : 642
    الرتبة : التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي Ytyhyig4
    السٌّمعَة : 1
    نقاط : 109
    تاريخ التسجيل : 23/05/2008

    التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي Empty رد: التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي

    مُساهمة من طرف أبو عبيدة الأثري الأربعاء مايو 28, 2008 10:37 am

    الباب الأول في التقليد
    وفيه فصلان:

    الفصل الأول: في أقسام التقليد ومناقشة المقلدين.

    الفصل الثاني:

    في أسباب التقليد ومراحله.
    الفصل الأول: في أقسام التقليد ومناقشة المقلدين:
    وفيه مبحثان:

    المبحث الأول: في أقسام التقليد:
    ينقسم التقليد إلى ثلاثة أقسام:

    القسم الأول: تقليد محرم.

    القسم الثاني: تقليد واجب.

    القسم الثالث: تقليد جائز.

    القسم الأول: التقليد المحرم، وهو ثلاثة أنواع:

    النوع الأول: تقليد الآباء إعراضًا عما أنزل الله، كحال المشركين في زمن النبي عليه الصلاة والسلام.

    النوع الثاني: تقليد من تجهل أهليته للأخذ بقوله.

    النوع الثالث: التقليد بعد ظهور الدليل على خلاف قول المقلَّد.

    الفرق بين النوع الأول والنوع الثالث: هو أن المقلِّد في النوع الأول قلّد قبل تمكنه من العلم والحجة، والمقلِّد في النوع الثالث قلد بعد ظهور الحجة له، فهو أشد معصية لله من المقلد في النوع الأول، وهو أولى بالذم منه.

    أمثلة للتقليد المحرم
    المثال الأول:

    مذهب الإمامية في وجوب اتباع الإمام المعصوم -في زعمهم- وإن خالف ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فحكّموا الرجال على الشريعة. المثال الثاني:

    تقليد بعض متعصبي المذاهب لمذهب إمام بعينه، ويزعمون أن آراء إمامهم هي الشريعة، بحيث يأنفون أن تنسب إلى أحد من العلماء فضيلة دون إمامهم.

    المثال الثالث:

    مذهب جماعة من المتأخرين ممن يزعم التخلق بخلق أهل التصوف المتقدمين، يعمدون إلى ما نقل عنهم في الكتب من الأحوال أو الأقوال الصادرة عنهم، فيتخذونها دينًا وشريعة لأهل الطريقة، مع كونها مخالفة للنصوص الشرعية.

    المثال الرابع:

    تحكيم المقلِّدين لبعض الشيوخ الذين جعلوهم في أعلى درجات الكمال، ونسبوا إليهم ما ارتكبوه من الخطأ، وردّوا جميع ما نُقل عمن سبقهم مما هو الحق والصواب.

    المثال الخامس:

    مذهب أهل التحسين والتقبيح العقليين من المعتزلة وحاصله تحكيم عقول الرجال دون الشرع، وهو أصل من الأصول عندهم، بحيث إذا وافق الشرع عقولهم وأهواءهم قبلوه، وإلا ردّوه .
    أبو عبيدة الأثري
    أبو عبيدة الأثري
    مدير


    عدد الرسائل : 642
    الرتبة : التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي Ytyhyig4
    السٌّمعَة : 1
    نقاط : 109
    تاريخ التسجيل : 23/05/2008

    التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي Empty رد: التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي

    مُساهمة من طرف أبو عبيدة الأثري الأربعاء مايو 28, 2008 10:39 am

    الأدلة من القرآن
    على ذم الأنواع الثلاثة وتحريمها
    أما النوع الأول: فقد وردت آيات كثيرة في ذمه، منها:

    1- قوله -تعالى-: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ .

    2- قول الله -تعالى-: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ .

    3- قول الله -تعالى-: وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ .

    4- قول الله -تعالى-: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ .

    5- قول الله -تعالى- معاتبًا لأهل الكفر وذامًّا لهم على لسان إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-: مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ .

    6- قول الله -تعالى-: وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ .

    7- قول الله -تعالى-: إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ .

    8- وقال -تعالى- حكاية عن قوم نوح وعاد وثمود ومن بعدهم، أنهم قالوا لرسلهم: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا .

    ووجه الدلالة من هذه الآيات إجمالًا على إبطال تقليد الآباء وتحريمه إعراضًا عما أنزل الله.

    دلت هذه الآيات على أن الله أنكر على المشركين اتباعهم للآباء، وعدولهم عن اتباع المنزَّل من عند الله إذا أمروا به، وأن تقليدهم للآباء، إعراضًا عن المنزل، دعوة من الشيطان لهم إلى عذاب النار، وأنكر على المترفين في كل أمة اتباعها لملل آبائهم، مع إعراضهم عن الهدى الذي جاءوا به، ووبخهم على لسان إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- على عكوفهم على التماثيل وعبادتهم للأصنام؛ جريًا وراء آبائهم، وسيرًا خلفهم فيما وجدوهم عليه.

    وأخبر أنهم يندمون يوم القيامة أشد الندم على اتباعهم لسادتهم وكبرائهم كآبائهم وغيرهم، وأخبر على وجه الذم عن هذه الأمم قوم نوح وعاد وثمود ومن بعدهم، أنهم كفروا بما جاءتهم به رسلهم من البينات؛ لمخالفتها لما وجدوا عليه الآباء، فدلت كلها على تحريم تقليد الآباء وإبطاله، إعراضًا عما جاءت به الرسل من عند الله.

    وقد يرد على وجه الاستدلال من هذه الآيات على تحريم تقليد الآباء اعتراضٌ، وهو أن هذه الآيات واردة في حق المشركين الذين قلدوا آباءهم في الكفر بالله -تعالى- وعبادة الأصنام، فهي تدل على المنع من تقليد الآباء في أصول الدين؛ فلا تكون دليلًا على تحريم تقليد الآباء غير المشركين في فروع الدين.

    والجواب على هذا الاعتراض: أن هذه الآيات -وإن كانت واردة في المشركين - فلا يمتنع الاحتجاج بها والاستدلال بها على المنع من تقليد غير الآباء الكفار ؛ لأن التشبيه لم يكن من جهة كفر أحدهما وإيمان الآخر، وإنما التشبيه بين المقلدين في الفروع - ممن لا يجوز لهم التقليد - وبين المقلدين لآبائهم في عبادة الأصنام، من جهة كون التقليد وقع بغير حجة للمقلِّد، كما لو قلد رجل فكفر، وقلد آخر فأذنب، وقلد آخر في مسألة فأخطأ وجه الحق فيها، فإن كل واحد من هؤلاء المقلِّدين مذموم على التقليد بغير حجة ودليل؛ لتشابهم في التقليد، وإن اختلف آثامهم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: قد ذم الله -تعالى- في القرآن من عَدَل عن اتباع الرسول إلى ما نشأ عليه من دين آبائه، وهذا هو التقليد الذي حرمه الله ورسوله وهو أن يتبع غير الرسول فيما خالف فيه الرسول، وهذا حرام باتفاق المسلمين على كل أحد، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ا. هـ .

    وأما النوع الثاني: فقد وردت فيه آيات منها:

    1- قوله -تعالى-: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ .

    ووجه الدلالة: أن الله -تعالى- نهى المسلمَ عن أن يقفو ما ليس له به علم، والنهي للتحريم، ومن قلد من يجهل أهليته للأخذ بقوله فقد قفا ما ليس له به علم، فيكون محرمًا.

    2- قوله -تعالى-: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ .

    ووجه الاستدلال: أن الآية دلت على تحريم القول على الله بلا علم، ومن قلد من يجهل أهليته للأخذ بقوله فقد قال على الله بلا علم، فيكون محرمًا.

    وأما النوع الثالث: فمن الآيات الواردة في ذمه:

    1- قول الله -تعالى-: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ .

    ووجه الاستدلال: أن الله ذم أهل الكتاب في طاعتهم للعلماء وتقليدهم لهم، في تحريم الحلال وتحليل الحرام بعد معرفتهم لذلك، فدل ذلك على تحريم التقليد بعد ظهور الدليل على خلاف قول المقلَّد.

    2- قول الله -تعالى-: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ .

    ووجه الدلالة: أمر الله باتباع المنزَّل من عنده، ونهى عن اتباع غيره مما يخالفه، وهذا يدل على تحريم التقليد بعد ظهور الحجة على خلاف قول المقلَّد.

    3- قول الله -تعالى-: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ .

    ووجه الاستدلال: أمر الله بردّ المتنازع فيه إلى الكتاب والسنة، فيكون الرد إلى غيرهما محرمًا، ومن قلد أحدًا بعد ظهور الدليل على خلاف قوله، فقد رد المتنازع فيه إلى غير الكتاب والسنة، فيكون محرمًا.

    4- قول الله -تعالى-: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا .

    ووجه الدلالة: أن الله ذم من أعرض عن التحاكم إلى الله وإلى رسوله إذا دُعي إلى ذلك، وهذا يدل على أن التقليد بعد ظهور الدليل على خلاف قول المقلَّد مذموم محرم .
    أبو عبيدة الأثري
    أبو عبيدة الأثري
    مدير


    عدد الرسائل : 642
    الرتبة : التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي Ytyhyig4
    السٌّمعَة : 1
    نقاط : 109
    تاريخ التسجيل : 23/05/2008

    التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي Empty رد: التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي

    مُساهمة من طرف أبو عبيدة الأثري الأربعاء مايو 28, 2008 10:41 am

    القسم الثاني من أقسام التقليد
    التقليد الواجب
    التقليد يكون في فروع الدين ومسائل الاجتهاد، وهي الأمور النظرية التي يشتبه أمرها للعامي العاجز عن النظر والاستدلال، ولمن كان محصلًا لبعض العلوم المعتبرة في الاجتهاد، ولكنه قاصر عن بلوغ درجة الاجتهاد
    وفي حكم التقليد للعامي ومن في حكمه مذاهب
    المذهب الأول لجمهور العلماء: بل هو شبه إجماع أن التقليد واجب على العامة ومن في حكمهم.

    قال ابن عبد البر في كتابه " جامع بيان العلم وفضله ": " العامة لا بد لها من تقليد علمائها عند النازلة تنزل بها؛ لأنها لا تتبين موقع الحجة، ولا تصل بعدم الفهم إلى علم ذلك؛ لأن العلم درجات لا سبيل منها إلى أعلاها إلا بنيل أسفلها، وهذا هو الحائل بين العامة وبين طلب الحجة"، ثم قال: "ولم تختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها، وأنهم المرادون بقوله -عز وجل-: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ .

    وأجمعوا على أن الأعمى لا بد له من تقليد غيره، ممن يثق بميزه بالقبلة إذا أشكلت عليه، فكذلك مَن لا علم له ولا بصر، بمعنى ما يدين به، لا بد من تقليد عالمه ا. هـ .

    وقال الغزالي في المستصفى: " العامي يجب عليه الاستفتاء واتباع العلماء " ا. هـ .

    وقال ابن قدامة في روضة الناظر: " وأما التقليد في الفروع فهو جائز إجماعًا"، ثم قال: "فلهذا جاز التقليد فيها، بل وجب على العامي ذلك " ا. هـ .

    وقال الشاطبي في الاعتصام: " الثاني: أن يكون مقلِّدًا صرفًا خليًا من العلم الحاكم جملة، فلا بد له من قائد يقوده، وحاكم يحكم عليه، وعالم يقتدي به ا. هـ .

    وقال الآمدي في الإحكام: " العامي ومن ليس له أهلية الاجتهاد -وإن كان محصلًا لبعض العلوم المعتبرة في الاجتهاد- يلزمه اتباع قول المجتهدين والأخذ بفتواه عند المحققين من الأصوليين" ا. هـ .

    وقال ابن الجوزي في تلبيس إبليس: " وأما الفروع فإنها لما كثرت حوادثها، واعتاص على العامي عرفانها، وقرب لها أمر الخطأ فيها؛ كان أصلح ما يفعله العامي التقليد فيها لمن قد سير ونظر " ا. هـ .

    وقال الشيخ حمد بن ناصر بن معمر في رسالة الاجتهاد والتقليد: " وبالجملة فالعامي الذي ليس له من العلم حظّ ولا نصيب فرضه التقليد " ا. هـ.

    وقال أيضًا: " من كان من العوام الذين لا معرفة لهم بالفقه والحديث، ولا ينظرون في كلام العلماء، فهؤلاء لهم التقليد بغير خلاف، بل حكى غير واحد إجماع العلماء على ذلك " ا. هـ .

    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وتقليد العاجز عن الاستدلال للعالم يجوز عند الجمهور .

    المذهب الثاني: أن التقليد يحرم على العامة، ويلزمهم النظر في الدليل، ويجب الاجتهاد على كل عاقل مطلقًا، في الأصول وفي الفروع، وإلى هذا ذهب بعض القدرية وابن حزم

    المذهب الثالث:

    أن التقليد واجب على العامة ولكنه خاص بالإمام المعصوم، وهذا مذهب الإمامية

    أدلة المجيزين للتقليد
    والمراد بجواز التقليد الإذن فيه الشامل للوجوب والإباحة:

    استدل القائلون بجواز التقليد للعامي ومن في حكمه، وهم الجمهور، بأدلة بعضها شرعي، وبعضها عقلي، نذكر أهمها فيما يلي:

    الدليل الأول:

    قول الله -تعالى-: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ .

    ووجه الاستدلال: أن الله -تعالى- أمر من لا علم له أن يسأل من هو أعلم منه، ولا معنى للسؤال إلا العمل بقول المسئول، فدل ذلك على جواز التقليد؛ إذ لا معنى للتقليد إلا العمل بقول الغير من غير حجة.

    وقد نوقش هذا الدليل بما يأتي:

    1- أن هذه الآية الشريفة وردت في سؤال خاص خارج عن محل النزاع، كما يفيده السياق المذكور قبل ذلك: مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ .

    وكما يفيده السياق بعده: وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ .

    قال ابن كثير والبغوي وأكثر المفسرين إنها نزلت ردًّا على المشركين لمّا أنكروا كون الرسول بشرًا، وهذا هو المعنى الذي يفيده السياق .

    2- أن الله -سبحانه- أمر العامي بسؤال أهل الذكر، وهم أهل العلم، عما حكم الله به في هذه المسألة، وما رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها؛ ليخبروه به، لا عن رأي رجل بعينه ومذهبه؛ ليأخذه به وحده، ويخالف ما سواه، مع وجود النص.

    ويجاب عن هاتين المناقشتين بما يأتي:

    أما المناقشة الأولى: فالجواب عنها أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

    وأما المناقشة الثانية: فالجواب عنها أن المسئول عنه عام، يشمل ما نص عليه في الكتاب والسنة، وما لم ينص عليه، مما اجتهد فيه المجتهدون ، ووصلوا بالاجتهاد إلى حكم فيه، وقد أُمروا باتباعهم فيما يقولون؛ فكان ذلك دالًا على جواز تقليدهم في آرائهم الاجتهادية. أما الأخذ بالرأي مع وجود النص ومخالفته، فهو من تعصب بعض الفقهاء وهو خارج عن محل النزاع.

    الدليل الثاني:

    قول الله -تعالى-: فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ .

    ووجه الاستدلال: أن الله أوجب على الناس قبول نذارة المنذر لهم، وهذا أمر بتقليد العوام للعلماء

    وقد نوقش هذا الدليل بما يأتي:

    1- أن الله -سبحانه- أوجب على الناس قبول ما أنذرهم به من الوحي الذي ينزل في غيبتهم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجهاد، وليس في هذا ما يدل على تقديم آراء الرجال على الوحي.

    2- أن الإنذار إنما يقوم بالحجة، والنذير من أقام الحجة، ومن لم يأت بالحجة فليس بنذير، والمنكر والمذموم من أفعال المقلِّدين هو نصْب رجل بعينه يجعل قوله عيارًا على القرآن والسنة، فما وافق قوله منها قُبل، وما خالفه رُدّ، ويقبل قوله بغير حجة، ويرد قول نظيره أو أعلم منه، ولو كانت الحجة معه .

    ويجاب عن هاتين المناقشتين: بأننا -وإن سلمنا أن الدليل في غير محل النزاع- لكن لا نسلم تفسير التقليد بالأخذ بقول رجل بعينه دون النبي صلى الله عليه وسلم، بل فسرناه سابقًا.

    الدليل الثالث:

    وهو دليل عقلي، لو كان التقليد غير جائز للعامة ومن في حكمهم، وكلفوا الاجتهاد لأدى ذلك إلى ضياع مصالح العباد، وانقطاع الحرث والنسل، وتعطيل الحرف والصنائع، فيؤدي إلى خراب الدنيا، وفي هذا من الحرج ما لا تأتي به الشريعة. قال الله -تعالى- وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ .

    ونوقش هذا الدليل بما يأتي:

    1- أن قولكم: لو كلف الناس الاجتهاد لضاعت مصالح العباد، معارض بالمثل، وذلك بأن يقال: لو كلفنا التقليد لضاعت أمورنا وفسدت مصالحنا؛ إذ لا ندري من نقلد من الفقهاء والمفتين فإن عددهم لا يحصيه إلا الله، وهم قد ملأوا الأرض شرقًا وغربًا وجنوبًا وشمالًا، فلو كلفنا بالتقليد لوقعنا في أعظم العنت والفساد.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأنه لا حرج ولا عنت في التقليد، فليقلِّدْ كل واحد فقهاء بلده والمفتين فيها، ما داموا قد ملأوا الأرض، خصوصًا وأن أصحاب هذه المناقشة يقولون: إن التقليد جائز لمن تقوم بهم الحياة من أرباب الصنائع المختلفة، من زراعة وصناعة وتجارة لا لكل الناس.

    2- ونوقش أيضًا: بأننا لو كلفنا بالتقليد لكل عالم لاجتمع في حقنا النقيضان، وذلك بتحليل هذا الشيء تقليدًا لهذا العالم، وتحريمه تقليدًا لعالم آخر، وإيجاب هذا الشيء تقليدًا لهذا العالم، وإسقاطه تقليدًا لعالم آخر، ولو كلفنا بتقليد الأعلم فالأعلم، لكان في ذلك مشقة، ومعرفة الأحكام من القرآن والسنة أسهل بكثير من معرفة الأعلم وشروطه المطلوبة فيه، ولو كلفنا بتقليد البعض منهم على حسب اختيارنا وتشهِّينا، لصار دين الله تبعًا للهوى والارادة، وهذا محال لا تأتي به الشريعة.

    ويجاب عن هذه المناقشة:

    بأن القائلين بجواز التقليد لا يقولون بتقليد كل عالم، ويقولون بجواز تقليد المفضول مع وجود الفاضل، وتقليد البعض لا يلزم منه خضوع الدين للهوى والارادة، ويقولون: إن معرفة العامي للأحكام من الكتاب والسنة فيها كل المشقة عليه؛ إذ لا يصل إلى ذلك إلا إذا انقطع لذلك، وترك تحصيل وسائل المعيشة له ولأولاده.

    3- ونوقش أيضًا بأن النظر والاستدلال يكون به صلاح الأمور لا ضياعها، وبتركه وتقليد من يخطيء ويصيب يكون فيه إضاعتها وفسادها، والواقع شاهد بذلك.

    ويجاب عن هذه المناقشة:

    بالمنع؛ فلا ضياع ولا فساد في تقليد العامي للعالم.

    4- ونوقش أيضًا بأن الواجب من النظر والاستدلال على كل مكلف هو معرفة ما يخصه وتدعو إليه حاجته من الأحكام، ولا يجب عليه ما لا تدعوا الحاجة إلى معرفته.

    ويجاب عن هذه المناقشة:

    بأن النظر والاستدلال يحتاج إلى وسائل ينقضي أكثر العمر حتى يتقنها المرء ويستطيع معرفة الأحكام بواسطتها، وفي هذا مشقة على من يريد تحصيل معاشه.

    5- ونوقش أيضًا: بأن ما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- من العلم النافع أيسر على النفوس تحصيلًا وفهما وحفظًا من كلام الناس، مما هو زبالة الأذهان ونحاتة الأفكار ومسائل الخرص والألغاز، فإن الله -تعالى- قد يسّر فهم شريعته وكتابه، قال الله -تعالى-: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ .

    وقال البخاري في صحيحه: قال مطر الورّاق هل من طالب علم فيعان عليه؟ ولم يقل فتضيع عليه مصالحه، وتتعطل عليه معايشه، بل الذي في غاية الصعوبة والمشقة مقدرات الأذهان، وأغلوطات المسائل، والتأصيل والتفريغ، الذي ما أنزل الله به من سلطان .

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأن فهم الشريعة ميسور، ولكن الوصول إلى درجة استنباط الأحكام يحتاج إلى جهد وانقطاع تتعطل معه مصالح المقلين، الذين يحتاجون إلى كسب معاشهم يومًا فيومًا، وأما إعانة طالب العلم فهي إعانته على التحصيل والفهم لا على توفير المال والإمكانيات لمعاشه ومعاش أهله.
    أبو عبيدة الأثري
    أبو عبيدة الأثري
    مدير


    عدد الرسائل : 642
    الرتبة : التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي Ytyhyig4
    السٌّمعَة : 1
    نقاط : 109
    تاريخ التسجيل : 23/05/2008

    التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي Empty رد: التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي

    مُساهمة من طرف أبو عبيدة الأثري الأربعاء مايو 28, 2008 10:43 am

    أدلة المجيزين للتقليد (تابع)
    الدليل الرابع:

    الإجماع من الصحابة بوجود سائل ومسئول، فلم تزل العامة يستفتون العلماء والعلماء يفتونهم من غير ذكر دليل، ولا يأمرونهم بنيل درجة الاجتهاد، من غير نكير، وذلك معلوم على الضرورة، والتواتر من علمائهم بالإفتاء وعوامهم بالرجوع إلى العلماء

    الدليل الخامس:

    دليل عقلي: وهو أن المجتهد في الفروع إما مصيب فله أجران وإما مخطأ فله أجر، فهو مثاب على كلا الحالين، فجاز التقليد فيها، بل وجب على العامي، بخلاف الأصول فإنه إذا أخطأ فهو آثم .

    الدليل السادس:

    قول الله -تعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ .

    ووجه الاستدلال: أن الله أمر بطاعة أولي الأمر وهم العلماء وطاعتهم تقليدهم فيما يفتون به، والأمر للوجوب، فهو أمر بتقليد العوام للعلماء

    ونوقش هذا الدليل بما يأتي:

    1- أن للمفسرين في تفسير أولي الأمر قولين: أحدهما: أنهم الأمراء والثاني أنهم العلماء والتحقيق أن الآية تتناول الطائفتين، وعلى كلا التفسيرين فليس في الآية دليل على جواز التقليد، لأن العلماء والأمراء إنما يطاعون في طاعة الله وفق شريعته، لأن العلماء مبلغون لأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والأمراء منفذون له، وليس في الآية ما يدل على تقديم آراء الرجال على سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإيثار التقليد عليها.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأننا لا نقول بتقديم آراء الرجال على سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن هذا ليس من مفهوم التقليد الذي هو محل النزاع، بل هو من تعصب بعض الفقهاء

    2- ونوقش أيضًا: بأن العلماء إنما أرشدوا غيرهم إلى ترك تقليدهم، ونهوهم عن ذلك فطاعتهم ترك تقليدهم.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأن العلماء أمروا غيرهم بترك تقليدهم ممن يقدر على الاجتهاد، ويستطيع الاستنباط، ولم يكن لديه مانع من ذلك.

    3- ونوقش أيضًا: بأن الله أمر بطاعته وطاعة رسوله، ولا يكون العبد مطيعًا لله ورسوله حتى يكون عالمًا بأمر الله ورسوله، والمقلد ليس من أهل العلم بأوامر الله ورسوله، فلا يمكنه تحقيق طاعة الله ورسوله؛ لأنه مقلد فيها لأهل العلم .

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأن هذا دليل على جواز التقليد، لأنه مأمور بالطاعة، وهي لا تتحقق إلا بالعلم، وعلم غير القادر على الاجتهاد لا يتحقق إلا بالتقليد، فهو إذن مأمور بالتقليد.

    الدليل السابع:

    قوله -عليه الصلاة والسلام- في شأن الصلاة: إن معاذًا قد سنّ لكم سُنّة فكذلك فافعلوا .

    قاله -عليه الصلاة والسلام- حينما أخّر ما فاته من الصلاة، فصلاه بعد فراغ الإمام، والتزم متابعة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقال: "لا أراه على حال إلا كنت معه". وكانوا قبل ذلك يصلون ما فاتهم أولًا، ثم يدخلون مع الإمام.

    ووجه الدلالة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بتقليد معاذ والأمر للوجوب، فدل على وجوبه.

    ونوقش هذا الدليل: بأن فعل معاذ لم يصِر سنة إلا حينما أمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- لا لأن معاذا فعله فقط، ومعنى الحديث: أن معاذًا فعل فعلًا جعله الله لكم سنة، لا بمجرد فعله؛ بل لأنه كان السبب بثبوت السنة، وإلا فقد فعل معاذ في الصلاة أمرًا يغضب النبي -صلى الله عليه وسلم- حينما طولها ونهاه عن العودة، فلو كان ما فعل معاذ يقلَّد فيه لقلد في تطويله الصلاة حينما أمّ الناس.

    ونوقش أيضًا: بأن معاذًا قد ورد عنه النهي عن التقليد، فقد صح عنه أنه قال: "كيف تصنعون بثلاثٍ: دنيا تقطع أعناقكم، وزلة عالم، وجدال منافقٍ بالقرآن، فأما العالم فإن اهتدى فلا تقلدوه دينكم، وإن افتتن فلا تقطعوا منه إياسكم، فإن المؤمن يفتتن ثم يتوب، وأما القرآن فإن له منارًا كمنار الطريق لا يخفى على أحد، فما علمتم منه فلا تسألوا عنه أحدًا، وما لم تعلموه فكلموه إلى عالمه، وأما الدنيا فمن جعل الله غناه في قلبه فقد أفلح، ومن لا فليست بنافعته دنياه.

    فنهى عن التقليد وأمر باتباع ظاهر القرآن وألا يبالي بمن خالف فيه، وأمر بالتوقف فيما أشكل على خلاف ما عليه المقلدون .

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأن معاذًا ينهى عن التقليد القادر على الفهم والاستنباط من الكتاب والسنة، أما العاجز العامي ومن في حكمه فلا يتناوله النهي؛ إذ لا يقدر إلا على التقليد وهو مأمور بذلك.
    أدلة المجيزين للتقليد (تابع)
    الدليل الثامن:

    قوله -عليه الصلاة والسلام-: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي وقوله -عليه الصلاة و السلام-: اقتدوا باللذين من بعدي من أصحابي أبي بكر وعمر واهتدوا بهدي عمّار وتمسكوا بعهد ابن مسعود أخرجه الترمذي .

    ووجه الاستدلال: أن النبي -عليه السلام- أمر بالأخذ بسنة الخلفاء الراشدين والاقتداء بأبي بكر وعمر والأخذ بهدي عمار وعهد ابن مسعود وذلك تقليد لهم، فالتقليد مما أمر به النبي -عليه السلام- وحثٌ على لزومه. ونوقش هذا الدليل بما يأتي:

    1- أن الأخذ بما سنَّه الخلفاء الراشدون والاقتداء بما فعلوه ليس تقليدًا لهم، بل هو امتثال لقول النبي -عليه السلام- واتباع له، حيث أمر به، وليس من التقليد في شيء.

    ويجاب عن هذة المناقشة: بأن الامتثال يكون بالأخذ بسنتهم، والأخذ بسنتهم هو التقليد.

    2- ونوقش أيضًا: بأن سنتهم خلاف ما عليه المقلدون فانهم لا يدَعُون السنة -إذا ظهرت- لقول أحد من الناس كائنًا من كان، والمقلدون يأخذون برأي فلان وفلان وإن خالف السنة.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأن المقلِّدين يأخذون بالكتاب والسنة عند سؤالهم أهل العلم من المجتهدين ومن يخالف السنة فغير قادح فيها فليس من المجتهدين

    3- ونوقش أيضًا: بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- خصهم بالاقتداء بهم؛ لمزيتهم وفضلهم على غيرهم، فلا يجوز أن يلحق بهم غيرهم، والمقلدون بهم، بل صرح بعض غلاتهم بتحريم الاقتداء بهم، ووجوب الاقتداء بأصحاب المذاهب بعدهم .

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأن التحقيق أنه لا يجوز تقليد الصحابة إذا لم يثبت النقل عنهم، لكن إذا ثبت النقل عن الصحابة بطريق صحيح موثوق به، فالإجماع على جواز تقليدهم.

    أما أدلة المذهب الثاني والثالث فسيأتي في الباب الرابع في الفصل الثاني.
    أبو عبيدة الأثري
    أبو عبيدة الأثري
    مدير


    عدد الرسائل : 642
    الرتبة : التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي Ytyhyig4
    السٌّمعَة : 1
    نقاط : 109
    تاريخ التسجيل : 23/05/2008

    التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي Empty رد: التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي

    مُساهمة من طرف أبو عبيدة الأثري الأربعاء مايو 28, 2008 10:46 am

    القسم الثالث من أقسام التقليد
    التقليد الجائز
    يكون التقليد جائزًا للأصناف الآتية:

    1- من بذل جهده في طلب الحق والصواب والدليل، فخفي عليه ولم يظفر بالدليل، ولم يظهر له، فهذا يسوغ له التقليد.

    2- من اجتهد وتكافأت عنده الأدلة، ولم يظهر له ترجيح بعضها على بعضها، فإنه يسوغ التقليد.

    3- المجتهد الذي نزلت به حادثة، وضاق الوقت عن الاجتهاد، فإنه يجوز له -والحالة هذه- التقليد عند البعض، والراجح أنه لا يجوز له التقليد كما سيأتي تحقيق ذلك في الباب الثالث في الفصل الأول .


    النقول الدالة على
    جواز التقليد لهؤلاء الأصناف
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: فأما القادر على الاجتهاد فهل يجوز له التقليد ؟.

    هذا فيه خلاف، والصحيح أنه يجوز حيث عجز عن الاجتهاد، إما لتكافؤ الأدلة، وإما لضيق الوقت عن الاجتهاد، وإما لعدم ظهور دليل له، فإنه حيث عجز سقط عنه وجوب ما عجز عنه، وانتقل إلى بدله، وهو التقليد كما لو عجز عن الطهارة بالماء ا. هـ .

    وقال أيضًا في موضع آخر: متى أمكن في الحوادث المشكلة معرفة ما دل عليه الكتاب والسنة كان هو الواجب، وإن لم يكن لضيق الوقت، أو عجز الطالب، أو تكافؤ الأدلة عنده، أو غير ذلك، فله أن يقلد من يرتضي علمه ودينه، هذا أقوى الأقوال ا. هـ .

    وقال ابن القيم أما تقليد من بذل جهده في اتباع ما أنزل الله، وخفي عليه بعضه، فقلد فيه من هو أعلم منه، فهذا محمود غير مذموم، ومأجور غير مأزور ا هـ .

    وقال أيضًا في موضع آخر: بل غاية ما نقل عنهم -أي الأئمة- من التقليد في مسائل يسيرة لم يظفروا فيها بنص عن الله ورسوله، ولم يجدوا فيها سوى قول من هو أعلم منهم فقلدوه، وهذا فعل أهل العلم وهو الواجب، فإن التقليد إنما يباح للمضطر ا. هـ .
    أبو عبيدة الأثري
    أبو عبيدة الأثري
    مدير


    عدد الرسائل : 642
    الرتبة : التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي Ytyhyig4
    السٌّمعَة : 1
    نقاط : 109
    تاريخ التسجيل : 23/05/2008

    التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي Empty رد: التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي

    مُساهمة من طرف أبو عبيدة الأثري الأربعاء مايو 28, 2008 10:48 am

    الأدلة الدالة على جواز التقليد
    وهي نوعان: نقلية وعقلية.

    الأدلة النقلية:
    الدليل الأول:

    حديث: العسيف الذي زنى بامرأة مستأجره فقال أبوه: وإني سألت أهل العلم فأخبروني أن ما على ابني جلد مائة، وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم وهو حديث ثابت في الصحيحين وغيرهما.

    ووجه الاستدلال: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ينكر على والد العسيف سؤال أهل العلم وتقليده لمن هو أعلم منه، والناس يفتون ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- حي، فدل ذلك على جواز التقليد.

    ونوقش هذا الدليل: بأن والد العسيف إنما سأل علماء الصحابة عن حكم كتاب الله وسنة رسوله -عليه السلام-، ولم يسألهم عن آرائهم ومذاهبهم.

    وأما فتوى الناس في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- فإنهم لما اختلفوا ردوا تنازعهم إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فحكم بالحق وأبطل الباطل .

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأن السؤال كان عن الحكم الشرعي أعم من أن يكون منصوصًا عليه أو غير منصوص، وأقره الرسول -صلى الله عليه وسلم- على هذا السؤال، فيكون إقرارًا له على ما يستلزمه، وهو العمل بقول المسئول مطلقًا.

    الدليل الثاني:

    ما ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال في حديث صاحب الشجة: ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العيِّ السؤال .

    ووجه الدلالة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أرشد من لا يعلم إلى سؤال من يعلم، وهذا يدل على جواز التقليد.

    ونوقش هذا الدليل: بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يرشدهم في حديث صاحب الشجة إلى السؤال عن آراء الرجال، بل أرشدهم إلى السؤال عن الحكم الشرعي الثابت عن الله أو عن رسوله، ولهذا دعا عليهم -صلى الله عليه وسلم- لما أفتوا بغير علم، فقال: قتلوه قتلهم الله ؛ لأنهم أفتوه بآرائهم، وفي هذا دليل على تحريم الإفتاء بالتقليد، فإن الحديث اشتمل على أمرين: أحدهما: الإرشاد لهم إلى السؤال عن الحكم الثابت بالدليل.

    الثاني: الذم لهم على اعتماد الرأي والإفتاء به، وهذا واضح لكل ناظر .

    ويجاب عن هذه المناقشة: بما أجيب به عن مناقشة الدليل الأول.

    الأدلة النقلية الدالة على جواز التقليد (تابع)
    الدليل الثالث:

    ما ثبت أن أبا بكر قال في الكلالة: أقضي فيها برأيي، فإن يكن صوابًا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان والله منه بريء، هو ما دون الولد والوالد، فقال عمر بن الخطاب إني لأستحيي من الله أن أخالف أبا بكر

    ووجه الاستدلال: أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- تبع أبا بكر في قوله، وهذا تقليد له، فدل على جواز التقليد.

    ونوقش هذا الدليل بما يأتي:

    1- أن عمر استحيا من مخالفة أبي بكر في اعترافه بجواز الخطأ عليه، وأن كلامه ليس كله صوابًا مأمونًا عليه من الخطأ، ويدل على ذلك: أن عمر أقر عند موته أنه لم يقضِ في الكلالة بشيء، واعترف أنه لم يفهمها، فلو كان قد قال بما قال به أبو بكر تقليدًا له لَمَا أقر أنه لم يقض فيها بشيء، ولا قال إنه لم يفهمها.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأن اعتراف عمر بعدم القضاء فيها بشيء، وأنه لم يفهمها، دليل على تقليده لأبي بكر فيها، وليس دليلًا على عدم التقليد.

    2- ونوقش أيضًا: بأن خلاف عمر لأبي بكر مشهور، فمن ذلك:

    (أ) مخالفته له في سبي أهل الردّة ؛ فسباهم أبو بكر وخالفه عمر وبلغ من خلافه أن ردهن حرائر إلى أهلهن، إلا من ولدت لسيدها منهن.

    (ب) خالفه في الأرض المفتوحة عنوة؛ فقسمها أبو بكر ووقفها عمر على المسلمين

    (جـ) خالفه في العطاء؛ فكان أبو بكر يرى التسوية، وعمر يرى المفاضلة بين الناس.

    (د) خالفه في الاستخلاف؛ فقد استخلف أبو بكر ولم يستخلف عمر بل جعل الأمر شورى.

    ويجاب عن هذه الماقشة: بأن هذه الأدلة لا تمنع من تقليده في حادثة خاصة، وهي موضوع الكلالة التي لم يفهمها، وإذا قلده في حادثة واحدة ثبت المطلوب، وهو جواز التقليد.

    3- ونوقش أيضًا: بأنه لو سلِم تقليد عمر لأبي بكر في كل ما قاله لكان خاصًا بتقليد علماء الصحابة فلا يصح إلحاق غيرهم بهم؛ لما للصحابة على غيرهم من المزايا البالغة إلى حد يقصر عنه الوصف، حتى إن المنفق مثل جبل أحد من متأخري الصحابة لا يعدل المد من متقدميهم ولا نصيفه، فكيف يصح أن يلحق بهم غيرهم؟.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأنه إذا جاز لهم أن يقلدوا بعضهم وهم من هم جاز لغيرهم أن يقلدهم من باب أولى.

    4- ونوقش أيضًا: بأن المقلدين المحتجين بفعل عمر وقوله، يخالفون أبا بكر وعمر في أكثر أقوالهما , بل قد صرح بعضهم في كتب الأصول أنه لا يجوز تقليد أبي بكر وعمر وسائر الصحابة ويجب تقليد أحد الأئمة الأربعة

    ويجاب عن هذة المناقشة: بأنه إذا ثبت النقل عن الصحابة بطريق صحيح جاز تقليدهم إجماعًا، كما سبق في جواب مناقشات الدليل الثامن.

    5- ونوقش أيضًا: بأنه لو سلِم أن عمر قلد أبا بكر في هذه المسألة، لكان دليلًا على أن المجتهد إذا لم يمكنه الاجتهاد في مسألة، وأمكن غيره أن يجتهد فيها، جاز له أن يقلده، ما دام غير متمكن من الاجتهاد، وليس فيه دليل على جواز اتخاذ أقوال رجل بعينه بمنزلة نصوص الشارع، لا يلتفت إلى قول سواه إلا إذا وافق قوله.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأن فيه جواز التقليد في مثل هذه الحالة، وهذا كاف في جواز التقليد فيما ندعيه، أما اتخاذ أقوال رجل بعينه بمنزلة نصوص الشارع فهذا من تعصّب المقلدين ، وهذا خارج عن موضوعنا .

    الدليل الرابع:

    ما صح عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال لأبي بكر رأْيُنا لرأيك تبع.

    ووجه الدلالة: أن هذا تصريح من عمر بأنه تابع لأبي بكر مقلد له، وهذا يدل على جواز التقليد.

    ونوقش هذا الدليل بما يأتي:

    1- أن في هذا الحديث ما يرد الاستدلال به على جواز التقليد، فإن عمر قرر بعض ما رآه أبو بكر ورد بعضه، ويتبين ذلك واضحًا بسوق الحديث كاملًا:

    فقد ساق البخاري في صحيحه هذه القصة هكذا:

    عن طارق بن شهاب قال: جاء وفد بزاخة من أسد وغطفان إلى أبي بكر -رضي الله عنه- يسألونه الصلح، فخيرهم بين الحرب المُجْلِية والسلم المخزية، فقالوا: هذه المجلية قد عرفناها، فما المخزية؟ قال: تنزع منكم الحلقة والكراع، ونغنم ما أصبنا لكم، وتردون ما أصبتم منا، وتَدُون لنا قتلانا، وتكون قتلاكم في النار، وتتركون أقوامًا يتبعون أذناب الإبل، حتى يُرِي الله خليفةَ رسوله والمهاجرين أمرًا يعذرونكم به. فعرض أبو بكر ما قال على القوم ، فقام عمر بن الخطاب فقال: قد رأيت رأيا سنشير عليك،... أما ما ذكرت من الحرب المجلية والسلم المخزية فنعم ما ذكرت، وما ذكرت من أن نغنم ما أصبنا منكم وتردون ما أصبتم منا فنعم ما ذكرت، وأما ما ذكرت من أن تَدُون قتلانا وتكون قتلاكم في النار، فإن قتلانا قاتلت فقتلت على ما أمر الله، أجورها على الله، ليس لها ديات، فتتابع القوم على ما قال عمر .

    وفي بعض ألفاظ هذا الحديث: قد رأيت رأيا ورَأْيُنا لرأيك تبع فالمتابعة من عمر لأبي بكر في بعض ما رآه أو في كله ليس من التقليد في شيء، بل هو من الاستصواب لما جاء به في الآراء والحروب؛ لموافقته لاجتهاده، وهذه المناقشة مسلمة.

    2- ونوقش أيضًا: بأن هذه الآراء إنما هي في تدبير الحروب، وليست في مسائل الدين، وإن تعلق بعضها بشيء من ذلك فإنما هي بطريق التبع.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأن هذه الآراء كانت في أحكام شرعية حربية، ولم تكن في تدبير الحروب وتنظيمها فلم تكن تبعًا، وعلى فرض تبعيتها فإن ذلك لا يخرجه عن كونها أحكامًا شرعية.

    3- ونوقش أيضًا: بأنه قد يكون السكوت عن اعتراض بعض ما فيه مخالفة، من آراء الأمراء، فيه مصلحة دينية، وهي إخلاص الطاعة للأمير، وكراهة الخلاف كما ورد بذلك الشرع.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأن هذا لا ينطبق على عمر المعروف بصراحته وجرأته في الحق، وأنه لا تأخذه فيه لومة لائم .
    أبو عبيدة الأثري
    أبو عبيدة الأثري
    مدير


    عدد الرسائل : 642
    الرتبة : التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي Ytyhyig4
    السٌّمعَة : 1
    نقاط : 109
    تاريخ التسجيل : 23/05/2008

    التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي Empty رد: التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي

    مُساهمة من طرف أبو عبيدة الأثري الأربعاء مايو 28, 2008 10:49 am

    الأدلة النقلية الدالة على جواز التقليد (تابع)
    الدليل الخامس ما صح عن ابن مسعود أنه كان يأخذ بقول عمر

    ووجه الاستدلال: أن أخذ ابن مسعود بقول عمر دليل تقليده له، فدل على جواز التقليد. ونوقش هذا الدليل بما يأتي:

    1- أن هذه دعوى ممنوعة، فإن مخالفة ابن مسعود لعمر مشهورة، حتى ذكر أهل العلم أنه خالفه في نحو مائة مسألة، منها:

    ( أ ) أن ابن مسعود يرى أن أم الولد تعتق من نصيب ولدها، ويرى عمر أنها تعتق من رأس المال.

    ( ب ) أن ابن مسعود كان يُطبِّق في الصلاة إلى أن مات، وعمر كان يضع يديه على ركبته وينهي عن التطبيق .

    (جـ ) أن ابن مسعود يقول في الحرام هي يمين، وعمر يقول طلقة واحدة.

    ( د ) أن ابن مسعود كان يحرم نكاح الزانية على الزاني أبدًا، وعمر كان يُتَوِّبهما ويُنكح أحدهما الآخر.

    ( هـ ) أن ابن مسعود يرى أن بيع الأمة طلاقها، وعمر لا يرى بيعها طلاقًا.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأن مخالفته في بعض المسائل لا تمنع من تقليده في بعض آخر، مما لا يكون قد اجتهد فيه.

    2- ونوقش أيضًا: بأن ابن مسعود إذا أخذ بقول عمر فليس ذلك من التقليد في شيء، وإنما هو الموافقة في الاجتهاد كما يوافق العالم العالم.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأن عبارة: " كان يأخذ بقول عمر "، أظهر في التقليد من المخالفة.

    3- ونوقش أيضًا: بأنه كيف يصح من ابن مسعود تقليد غيره، وهو القائل: لقد علم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أني أعلمهم بكتاب الله، ولو أعلم أن أحدًا أعلم مني لرحلت إليه. وقد صح عنه أنه قال: اغد عالمًا أو متعلمًا، ولا تكونن إمَّعة. والإمعة هو المقلد، فأخرجه من زمرة العلماء والمتعلمين.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأن معنى العبارة: "ولا تكونن إمعة"، ولا يكن شأنك دائمًا إمعة، وهذا لا ينافي أن يأخذ بقول الغير أحيانًا . الدليل السادس:

    ما روى الشعبي عن مسروق قال: كان ستة من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يفتون الناس: ابن مسعود وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وأُبَيّ بن كعب وأبو موسى -رضي الله عنهم-، وكان ثلاثة منهم يَدَعون قولهم لقول ثلاثة، كان عبد الله يدع قوله لقول عمر وكان أبو موسى يدع قوله لقول علي وكان زيد يدع قوله لقول أبي بن كعب

    ووجه الاستدلال: أن هذا تقليد من هؤلاء الثلاثة للثلاثة الذين يتركون أقوالهم لأقوالهم، فدل على جواز التقليد.

    ونوقش هذا الدليل بما يأتي:

    1- أن رجوع بعض الستة المذكورين إلى أقوال بعضهم، ليس معناه أنهم يدعون ما يعرفون من السنة تقليدًا لهؤلاء الثلاثة، كما هو حال المقلدين بل إنهم كانوا جميعًا -هم وسائر الصحابة - إذا ظهرت لهم السنة لم يتركوها لقول أحد كائنًا من كان، بل إن هذا من باب الموافقة في الاجتهاد.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأن الترك يحتمل -أيضًا- الموافقة لهم من غير اجتهاد وهو معنى التقليد، ويحتمل أيضًا الموافقة بعد الاجتهاد، إذا لم يتبين لهم رأي في المسألة، فيكون دليلًا على جواز تقليد المجتهد لمجتهد آخر إذا اجتهد ولم يتبين له حكم في المسألة.

    2- ونوقش أيضًا: بأن الرجوع الذي كان يقع من بعض الصحابة إلى قول بعض، إنما هو في الغالب رجوع إلى روايته لا إلى رأيه، كما يعرف هذا من عرف أحوال الصحابة وتأمل سيرتهم، فإنهم كانوا يعضون على السنة بالنواجذ، ويرمون بآرائهم وراء الحائط، وإنما كانوا يرجعون إلى الرأي إذا أعوزهم الدليل، وضاقت عليهم الحادثة، ثم لا يرمون أمرًا إلا بعد التراود والمفاوضة، كما قال عبيدة السلماني لعلي بن أبي طالب لَرَأْيُك مع الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأن غير الغالب، وهو الرجوع إلى بعضهم في الرأي، يكفي في إثبات المطلوب، وهو جواز التقليد عند الحاجة إليه .
    أبو عبيدة الأثري
    أبو عبيدة الأثري
    مدير


    عدد الرسائل : 642
    الرتبة : التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي Ytyhyig4
    السٌّمعَة : 1
    نقاط : 109
    تاريخ التسجيل : 23/05/2008

    التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي Empty رد: التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي

    مُساهمة من طرف أبو عبيدة الأثري الأربعاء مايو 28, 2008 10:51 am

    الأدلة النقلية الدالة على جواز التقليد (تابع)
    الدليل السابع:

    قول الله تعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ .

    ووجه الدلالة: أن الله أثنى على من يتبع السابقين الأولين بإحسان , واتباعهم بإحسان هو تقليدهم، وهذا يدل على جواز التقليد.

    ونوقش هذا الدليل بما يأتى:

    1- أن دعوى أن اتباعهم تقليدهم، دعوى ممنوعة، بل اتباعهم هو سلوك سبيلهم ومنهاجهم، وهم قد نهوا عن التقليد وكون الرجل إمعة، وأخبروا أن المقلِّد ليس من أهل البصيرة، فالتابعون لهم على وجه الحقيقة هم أولوا العلم والبصائر، الذين لا يقدمون على كتاب الله وسنة رسوله رأيًا ولا قياسًا ولا عقلًا، ولا قول أحد من الناس.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأن من اتباعهم أيضًا اتباع آرائهم التي يفتون بها العوام ومن في حكمهم، لعموم قوله: وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ .

    2- ونوقش أيضًا: بأنه لو كان أتْباع السابقين الأولين هم المقلدون لكان العلماء الذين يأخذون بالحجة والدليل ليسوا من أتباعهم، والمقلدون الجهلة أسعد منهم بالاتباع، وهذا محال، بل من خالفهم واتبع الدليل فهو المتبع لهم دون من أخذ أقوالهم بغير حجة ولا دليل.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأننا لم نقل: إن المراد بالذين اتبعوهم العوام الجهلة فقط، بل إن النص يشملهم ويشمل غيرهم من العلماء الذين ترسموا خطاهم، واتبعوا سبيلهم .

    الدليل الثامن:

    قوله -تعالى-: وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا .

    ووجه الدلالة: أن الله أثنى على من اتّبع ملة إبراهيم واتباعه هو تقليده، وهذا يدل على جواز التقليد.

    ونوقش هذا الدليل: بأن الله أمر باتباع ملة إبراهيم وما يأمر الله به ليس من التقليد في شيء، بل هو الدليل والحجة والبرهان، إنما التقليد هو اتباع قول غير المعصوم من غير حجة، كأن يأخذ بقول رجل بعينه دون النبي -صلى الله عليه وسلم- بلا دليل يصحح قوله، بل لأن فلانا قاله فقط .

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأننا وإن سلمنا أن الدليل في غير محل النزاع، لكن لا نسلم تفسير التقليد بالأخذ بقول رجل بعينه دون النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل بما فسرناه سابقًا، في التعريف وهو العمل بقول من ليس قوله إحدى الحجج بلا حجة.

    الدليل التاسع:

    قوله -عليه السلام-: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم .

    ووجه الدلالة: أنه -عليه الصلاة والسلام- أخبر أن من اقتدى بواحد من الصحابة فقد اهتدى، والاقتداء بهم هو تقليدهم، وهذا يدل على جواز التقليد.

    ونوقش هذا الدليل بما يأتي:

    1- أن هذا الحديث قد روي من طرق: من طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر ومن حديث سعيد بن المسيب عن ابن عمر ومن طريق حمزة الجزري عن نافع عن ابن عمر وصرح أئمة الجرح والتعديل بأنه لم يثبت شيء منها، ولم يصح منها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم .

    2- ونوقش أيضًا: بأنه على فرض صحته، فإن الحديث تضمن منقبة للصحابة ومزيّة لا توجد لغيرهم فيقتدى بهم دون من بعدهم، ولكن المقلدين لم يقلدوهم، بل قلدوا مَنْ دونهم بمراتب، فما دل عليه الحديث صريحًا خالفوه، واستدلوا به على تقليد من لم يتعرض له بوجه.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأن تقليد الصحابة مبني على اجتهادهم وفقههم مع التسليم بمميزاتهم ، فإذا وجد الاجتهاد في غيرهم جاز تقليدهم للعوام ومن في حكمهم.

    3- ونوقش أيضًا: بأنه يلزم من تقليد كل واحد منهم والاقتداء به التناقض؛ لاختلاف أقوالهم وتضاربها في التحليل والتحريم، من ذلك:

    ( أ ) أن يكون أكل البَرَد للصائم حلالًا اقتداء بأبي طلحة وحرامًا اقتداء بغيره .

    ( ب ) أن يكون ترك الغسل من الإكسال واجبًا اقتداء بعلي وعثمان وحرامًا اقتداء بعائشة وابن عمر

    ( جـ ) أن يكون بيع التمر قبل ظهور الطيب فيها حلالًا اقتداء بعمر وحرامًا اقتداء بغيره.

    ( د ) أن يكون قول: الحرام، يمينًا، اقتداء بابن مسعود وطلاقًا، اقتداء بعمر .

    ( هـ ) أن يكون رضاع الكبير محرمًا اقتداء بعائشة وغير محرم اقتداء بغيرها.

    ( و ) أن يكون لحوم الحُمُر حلالًا اقتداء بابن عباس وحراما اقتداء بغيره.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأنه يلزم هذا المحظور لو قبل باتباع الرأيين في وقت واحد، ولكنه لا يلزم باتباع أحد الرأيين، ويصدق عليه نص الحديث بأنه اهتدى باتباع أحدهم.

    4- ونوقش أيضًا: بأن معنى الاقتداء هو أن يأتي المقتدى بمثل ما أتوا به، ويفعل مثل ما فعلوا، وفعلهم إنما هو اتباع القرآن والسنة، والقبول من كل من دعا إليهما منهم، فالاقتداء بهم يحرم التقليد ويوجب الاستدلال وتحكيم الدليل.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأن العامي عندما يقلدهم متبع القرآن، الذي أمر بالسؤال عند عدم العلم، فهو مقتد بهم في هذا الاتباع أيضًا .

    الأدلة النقلية الدالة على جواز التقليد (تابع)
    الدليل العاشر:

    قول ابن مسعود -رضي الله عنه-:
    من كان منكم مُسْتنًّا فليستنّ بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة. أولئك أصحاب محمد أبرّ هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم حقهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم.

    ووجه الدلالة: أن ابن مسعود أجاز الاقتداء بمن مات من الصحابة والاقتداء بهم هو تقليدهم، فدل على جواز التقليد وإباحته.

    ونوقش هذا الدليل بما يأتي:

    1- أن ابن مسعود نهى عن الاستنان بالأحياء، والمقلدون يقلدون الأحياء والأموت.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأن أثر ابن مسعود معارض للنص الآمر بسؤال الأحياء فلا يعتبر.

    2 - ونوقش أيضًا: بأن ابن مسعود ذكر العلة في جواز الاقتداء، وهي كونهم خير الخلق وأبر الأمة وأعلمهم، والمقلدون لا يقلدون الصحابة وإنما يقلدون من دونهم بكثير.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بما سبق من أنهم يقلدون الصحابة أيضًا كما هو التحقيق.

    3 - ونوقش أيضًا: بأن معنى الاستنان بهم هو الاقتداء بهم، وهو أن يأتي المستنّ والمقتدي بمثل ما أتوا ويفعل مثل ما فعلوا، وهم إنما يتبعون الدليل والحجة، وهذا يبطل قبول قول أحدهم بغير حجة كما عليه المقلدون

    ويجاب عن هذه المناقشة:

    بأن العوام ومَن في حكمهم يتبعون الدليل الذي يأمرهم بالسؤل عما لا يعلمون.

    4- ونوقش أيضًا: بأنه صح عن ابن مسعود النهي عن التقليد، وأن يكون الرجل إمعة لا بصيرة له، فعلم بهذا أن الاستنان عند ابن مسعود غير التقليد .

    ويجاب عن هذه المناقشة: بما سبق في الجواب عن المناقشة الثالثة للدليل الخامس.

    الدليل الحادي عشر:

    ما في كتاب عمر بن الخطاب إلى شريح " أنِ اقضِ بما في كتاب الله، فإن لم يكن في كتاب الله فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يكن في سنة رسول الله فاقضِ بما قضى به الصالحون ".

    ووجه الاستدلال: أن عمر بن الخطاب أمر شريحًا أن يقضي بما قضى به الصالحون فهو أمر بتقليدهم، وهذا يدل على جواز التقليد.

    ونوقش هذا الدليل:

    بأن قول عمر هذا يدل على بطلان التقليد، فإنه أمر أن يقدم الحكم بالكتاب على كل من سواه، فإن لم يجده في الكتاب ووجده في السنة حكم بها، فإن لم يجده في السنة قضى بما قضى به الصحابة أما المقلدون فإنهم إذا نزلت بهم نازلة فإنهم يأخذون حكمها من قول من قلدوه , وإن ظهر لهم في الكتاب أو السنة أو أقوال الصحابة خلاف قوله لم يلتفتوا إليها.

    ويجاب عن هذه المناقشة:

    بأن المقلد إذا ظهر له خلاف قول من قلده من الكتاب والسنة وجب عليه الرجوع عنه، ولكن الذي يستطيع معرفة المخالفة من غيرها هو القادر على الاستنباط دون العوام .
    أبو عبيدة الأثري
    أبو عبيدة الأثري
    مدير


    عدد الرسائل : 642
    الرتبة : التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي Ytyhyig4
    السٌّمعَة : 1
    نقاط : 109
    تاريخ التسجيل : 23/05/2008

    التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي Empty رد: التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي

    مُساهمة من طرف أبو عبيدة الأثري الأربعاء مايو 28, 2008 10:53 am

    الأدلة النقلية الدالة على جواز التقليد (تابع)
    الدليل الثاني عشر:

    ما ثبت عن عمر أنه منع بيع أمهات الأولاد، وتبعه الصحابة وألزم بالطلاق الثلاث، وتبعوه أيضًا.

    ووجه الدلالة: أن اتباع الصحابة لعمر في ذلك تقليد منهم له، وهذا يدل على جواز التقليد.

    ونوقش هذا الدليل بما يأتي:

    1- أن الصحابة لم يتبعوا عمر كلهم، بل هم مختلفون في المسألتين، أما بيع أمهات الأولاد فقد خالف عمر ابن مسعود وعلي وزيد بن ثابت وابن عباس فرأوا بيعهن، وأما الإلزم بالطلاق الثلاث فقد خالف عمر ابن عباس وغيره، وإذا اختلف الصحابة وغيرهم فالمعول عليه الدليل والحجة.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأنه تبعه بعضهم ممن لا يستطيع الاجتهاد والاستنباط وهذا كافٍ في جواز التقليد.

    2- ونوقش أيضًا: بأن من وافق عمر في هاتين المسألتين وغيرهما لم يتبعه تقليدًا له، بل ذهب في ذلك إلى ما أداه إليه اجتهاده، ولم يقل أحد منهم إني رأيت ذلك تقليدًا لعمر

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأن هذا في حق القادر على الاجتهاد والاستنباط، أما العاجز عن ذلك فإنه يتبعه تقليدا له، وهو كاف في الدلالة على المطلوب جواز التقليد عند الحاجة.

    3- ونوقش أيضًا: بأنه على فرض أن الصحابة تبعوا عمر في هاتين المسألتين تقليدًا له، فليس في ذلك ما يدل على جواز تقليد مَن هو دون عمر بكثير في كل ما يقوله، وترك قول مَن هو مثله أو مَن هو أعلم منه.

    ويجاب عن هذه المناقشة:

    بأنه إذا جاز التقليد للصحابة جاز التقليد لمن دونهم من باب أولى، وأما ترك المقلِّد لمن هو مثل مقلَّده أو أعلم منه، فهذا من تعصب بعض الفقهاء وهو خارج عما نحن فيه .

    الدليل الثالث عشر:

    ما قاله عمر وقد احتلم مرة، فقال له عمرو بن العاص خذ ثوبًا غير ثوبك. فقال: لو فعلتها صارت سنّة.

    ووجه الدلالة: أن القصة دلت على أن عمرو بن العاص أشار على عمر بن الخطاب حينما احتلم أن يستبدل ثوبًا غير الثوب الذي أصابه أثر الاحتلام به؛ ليصلي فيه، استحسانًا من باب النظافة، فامتنع عمر من إبدال ثوبه؛ معتذرًا لعمرو بأنه لو فعل ذلك، واستبدل ثوبه بآخر لكان هذا الاستبدل سنة يقلد الناس فيها عمر مع أن الاستبدل ليس بواجب؛ لأن المني طاهر، وإنما يستحب غسل رطبه وحكّ يابسه، وهذا إقرار من عمر للتقليد، فدل على جوازه.

    ونوقش هذا الدليل: بأن معنى قول عمر " لو فعلتها صارت سنة "، لو فعلتها لاستنّ بذلك الجهال بعدي، فترك عمر الاستبدال لئلا يقتدي به من يراه، ويقول: لولا أن هذا سنّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما فعله عمر فهذا هو الذي خشيه عمر وليس فيه إذن من عمر في تقليده، والإعراض عن كتاب الله وسنة رسوله.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأن كون عمر خشي من تقليد العوام له دليل على أنه يرى جواز التقليد لهم، وهم حينما يقلدونه ليس في تقليدهم إعراض عن الكتاب والسنة؛ لأنهم مأمورون بتقليد العلماء .

    الأدلة النقلية الدالة على جواز التقليد (تابع)
    الدليل الرابع عشر:

    قول أُبَيِّ بن كعب -رضي الله عنه-: ما استبان لك فاعمل به، وما اشتبه عليك فكِلْه إلى عالمه.

    ووجه الدلالة: أن أبيًّا وصّى بأنه إذا اشتبه شيء على الإنسان فإنه يَكِلْه إلى عالمه، وهو تقليده فيه، وهذا يدل على جواز التقليد.

    ونوقش هذا الدليل:

    بأن هذه الوصية من أُبي مبطلة للتقليد؛ لأن المقلدين إذا استبانت لهم السنة لا يتركون لها قول من قلدوه ويعملون بها، بل يتركونها ويعدلون إلى قوله، وليس في قول أُبي ما يدل على جواز الإعراض عن القرآن والسنن، واتخاذ رجل بعينه معيارًا، وترك النصوص لقوله وعرضها عليه.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأن هذا الفعل خاص بطبقة معينة وهم المتعصبون لمذهب أئمتهم، مع أنهم يستطيعون فهم النصوص واستنباط الأحكام منها، وهؤلاء لا يجوز لهم التقليد، فهم خارجون عن حمل النزاع .

    الدليل الخامس عشر:

    ما ثبت من فعل الصحابة من إنهم كانوا يفتون ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- حي بين أظهرهم.

    ووجه الدلالة: أن في إفتائهم دليلًا على تقليد المستفتين لهم؛ إذ أن قولهم يكون حجة في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- بتقرير الرسول لهم.

    ونوقش هذا الدليل: بأن فتوى الصحابة غالبًا إنما تكون تبليغًا عن الله ورسوله؛ لأنهم يفتون بالنصوص من الكتاب والسنة، فكانوا بمنزلة المخبرين فقط، ولم تكن فتواهم تقليدًا لرأي فلان وفلان، بل هي رواية، المستفتون إنما يعتمدون على ما يبلغونهم إياه عن نبيهم، ولا شك أن قبول الرواية ليس من التقليد في شيء، فإن قبول الرواية قبول للحجة، والتقليد إنما هو قبول الرأي، وفرق بين قبول الرواية وقبول الرأي، وأحيانًا تصدر الفتوى من الصحابة فتبلغ النبي -عليه الصلاة والسلام- فيقرهم عليها، فتكون الحجة بإقراره -عليه الصلاة والسلام- لا بمجرد إفتائهم.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأنهم يفتون في غير الغالب بآرائهم واجتهادهم، والمستفتون يعتمدون على هذه الفتاوى منهم ويقلدونهم فيها، وهذا كاف في جواز التقليد .

    الدليل السادس عشر:

    ما صح عن ابن الزبير أنه سُئل عن الجد والإخوة، فقال: أما الذي قال فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لو كنت متخذًا من أهل الأرض خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا فإنه أنزله أبًا.

    ووجه الاستدلال: أن هذا القول من ابن الزبير ظاهر في تقليده لأبي بكر وهذا يدل على جواز التقليد.

    ونوقش هذا الدليل: بأن ابن الزبير لم يخبر بذلك تقليدًا لأبي بكر بل هو من باب الإضافة إلى الصِّدِّيق ؛ لينبه على جلالة قائله، وأنه ممن لا يقاس غيره به , لا ليقبل قوله بغير حجة , ولا ليترك الدليل من القرآن والسنة لقوله، وابن الزبير وغيره من الصحابة أتقى لله من أن يقدموا قولًا لأحد على كتاب الله وسنة نبيه، أو أن يتركوها لآراء الرجال ومذاهبهم، بل إن قول ابن الزبير "إن الصّدّيق أنزله أبًا" متضمن للحكم وللدليل معًا.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأن مسألة الجد مع الإخوة لا نص فيها من كتاب أو سنة، فقول ابن الزبير ظاهر في تقليده لأبي بكر وليس في ذلك تقديم لرأي أبي بكر على القرآن والسنة؛ لعدم وجودهما في المسألة .

    الدليل السابع عشر:

    ما ورد عن الأئمة أنهم صرحوا بجواز التقليد، من ذلك:

    أ- قال حفص بن غياث سمعت سفيان يقول: إذا رأيتَ الرجل يعمل العمل الذي قد اختلف فيه، وأنت ترى تحريمه، فلا تنهه.
    ب- وقال محمد بن الحسن يجوز للعالم تقليد من هو أعلم منه، ولا يجوز له تقليد من هو مثله.
    جـ- وقال الشافعي في الضبع بعير، قلته تقليدًا لعمر وقال في مسألة بيع الحيوان بالبراءة من العيوب: قلته تقليدًا لعثمان وقال: في مسألة الجد مع الإخوة: أنه يقاسمهم، ثم قال: وإنما قلت بقول زيد وعنه قبلنا أكثر الفرائض، وقال في موضع آخر من كتابه الجديد: قلته تقليدًا لعطاء
    د- وقال أبو حنيفة في مسائل الآبار: ليس معه فيها إلا تقليد من تقدمه من التابعين
    هـ- وهذا مالك لا يخرج عن عمل أهل المدينة ويصرح في موطئه بأنه أدرك العمل على هذا، وهو الذي عليه أهل العلم ببلدنا، ويقول في غير موضع: ما رأيت أحدًا اقتدى به يفعله.

    ونوقش هذا الدليل بما يأتي:

    1- أن دعوى أن جميع الأئمة صرحوا بجواز التقليد دعوى ممنوعة، بدليل أن الأئمة والصحابة نهوا عن تقليدهم، وعن الاستنان بآراء الرجال، وقد كانوا يذمّون التقليد وأهله، ويُسَمُّون المقلد "الإمعة" و"المحقب"، كما قال ابن مسعود الإمعة الذي يحقب دينه الرجال ويسمّونه الأعمى الذي لا بصيرة له، ويقولون إن المقلدين هم أتباع كل ناعق، يميلون مع كل صائح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يركنوا إلى ركن وثيق، وسمَّى الشافعيُ المقلدَ: حاطب ليل، ونهى عن تقليده وتقليد غيره.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأن ذم التقليد والمنع منه محمول على على من له قدرة على الاجتهاد والاستنباط، ولا يراد شموله العوام ومن في حكمهم جمعًا بين الأدلة.

    2- ونوقش أيضًا: بأن هؤلاء الأئمة، الذين حكيتم عنهم أنهم جوزوا التقليد، هم من أعظم الناس بعدًا عن التقليد، واتباعًا للحجة والدليل، من ذلك:

    ( أ ) ما سبق عن الشافعي أنه نهى عن التقليد، وسمى المقلد حاطب ليل.

    ( ب ) وصحّ عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنهما قالا: لا يحلّ لأحد أن يقول مقالتنا حتى يعلم من أين قلنا، وهذا تصريح بتحريم التقليد.

    ( جـ ) ومحمد بن الحسن من أتباع أبي حنيفة وخلافه له مشهور.

    ( د ) وأما حفص بن غياث فليس في كلامه ما يدل على جواز التقليد، بل معنى قوله: "إذا رأيت الرجل يعمل العمل الذي اختلف فيه، وأنت ترى تحريمه، فلا تنهه"، معناه: لا تنهه؛ لجواز أن يكون قد أداه اجتهاده على خلاف ما أداك اجتهادك إليه.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بما سبق من حمل الإنكار على غير العوام ومَن في حكمهم.

    3- ونوقش أيضًا: بأن المقلدين لا يرون تقليد الصحابة والتابعين الذين نقلوا عن الأئمة أنهم قلدوهم، فكان هذا حجة عليهم.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بعدم صحة ذلك؛ لتصريحهم بجواز تقليد الصحابة إذا صح النقل عنهم.

    4- ونوقش أيضًا: بأنه على تسليم أن الأئمة يقلدون فإنهم يقلدون في مسائل يسيرة لم يظفروا فيها بنص عن الله ورسوله، لكنهم لا يعدلون عن الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة وعن معرفة الحق بدليله مع التمكن منه إلى التقليد، كما هو حال المقلدين

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأننا نقول بذلك، أما التقليد مع العدول عن الكتاب فهو في غير محل النزاع؛ لأن هذا وصف طبقة خاصة من المقلدين وهم الفقهاء المقلدون لأئمتهم مع التعصب لهم، حتى ولو استبان لهم الحق .
    أبو عبيدة الأثري
    أبو عبيدة الأثري
    مدير


    عدد الرسائل : 642
    الرتبة : التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي Ytyhyig4
    السٌّمعَة : 1
    نقاط : 109
    تاريخ التسجيل : 23/05/2008

    التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي Empty رد: التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي

    مُساهمة من طرف أبو عبيدة الأثري الأربعاء مايو 28, 2008 11:03 am

    الأدلة النقلية الدالة على جواز التقليد (تابع)
    الدليل الثامن عشر:

    ما ثبت عن الشافعي أنه قال في الصحابة رأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا.

    ووجه الدلالة: أن قول الشافعي دليل على تقليده للصحابة وهذا يدل على جواز التقليد.

    ونوقش هذا الدليل بما يأتي:

    1- أن هناك فرقًا بين حال الأئمة وحال المقلدين فالأئمة يرون أن رأي الصحابة خير من رأيهم، والمقلدون لا يرون رأي الصحابة خيرًا من رأي مقلديهم، ولذلك يتركون أقوال الصحابة لأقوال من يقلدونه.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بما سبق من أن التحقيق، أنه إذا ثبت النقل الصحيح عن الصحابة جاز تقليدهم.

    2- ونوقش أيضًا: بأنه على تسليم صحة تقليد الصحابة وأن الشافعي يرى جوازه- فليس في ذلك دليل على تقليد من عداهم؛ للمزية التي اختص بها الصحابة من غير مشاركة، من العلم والفهم والفضل والفقه، والتلقي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بلا واسطة، ونزول الوحي بلغتهم قبل فساد الألسنة، ورجوعهم إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيما أشكل عليهم من القرآن والسنة.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأنه إذا صح تقليد الصحابة جاز تقليد من بعدهم لعموم الأدلة الدالة على جواز تقليد العامة ومَن في حكمهم للعلماء

    3- ونوقش أيضًا: بأن قياس أقوال الأئمة على أقوال الصحابة في جواز التقليد قياس مع الفارق؛ لأن العلماء لم يختلفوا في أقوال مَن بعد الصحابة مِن الأئمة وغيرهم ليست بحجة، أما أقوال الصحابة فأكثر العلماء والذي نص عليه الأئمة أنها حجة، وإذا ثبت الفرق بطل القياس.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأن الأدلة التي أجازت تقليد العامة للعلماء لم تفرق بين علماء الصحابة ومن بعدهم، وليس هذا من باب القياس، بل من باب عموم الدليل .

    الدليل التاسع عشر:

    ما ثبت أن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما فتحوا البلاد كان حديثُ العهد بالإسلام يسألهم فيفتونه، ولا يقولون له عليك أن تطلب معرفة الحق بدليله في هذه الفتوى، بل لا يعرف ذلك عن أحد منهم البتة.

    ووجه الدلالة: أن إفتاء الصحابة لحديثِ العهد بالإسلام، وعدم تكليفه بمعرفة الدليل، يدل على جواز التقليد.

    ونوقش هذا الدليل: بأن الصحابة إنما كانوا يفتون حديث العهد وغيره بما سمعوه من نبيهم وما بلغهم من كتاب ربهم لا بآرائهم، ولم يقل الصحابة للتابعين لينصب كل منكم رجلًا لنفسه، يقلده دينه، ولا يلتفت إلى غيره، كما هو حال المقلدين

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأن الصحابة كانوا يفتون بآرائهم في بعض الأحايين، إذا لم يجدوا في تلك القضية التي سئلوا عنها نصًا من كتاب أو سنة، وكانوا يقولون للتابعين إذا لم تعلموا فاسألوا أهل العلم وهذه دعوة إلى تقليد من يتيسر سؤاله من أهل العلم .
    أبو عبيدة الأثري
    أبو عبيدة الأثري
    مدير


    عدد الرسائل : 642
    الرتبة : التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي Ytyhyig4
    السٌّمعَة : 1
    نقاط : 109
    تاريخ التسجيل : 23/05/2008

    التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي Empty رد: التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي

    مُساهمة من طرف أبو عبيدة الأثري الأربعاء مايو 28, 2008 11:11 am

    الأدلة العقلية
    الدليل الأول:

    أن الله -تعالى- قد جعل في فطر العباد تقليد المتعلمين للأساتذة والمعلمين، وذلك عام في كل علم وصناعة، ولا تقوم مصالح الخلق إلا بهذا، وهذا يدل على جواز التقليد.

    ونوقش هذا الدليل: بأن ما ركزه الله في فطر عباده من تقليد المعلمين والأساتذة، لا يستلزم جواز التقليد في الدين، وقبول قول المتبوع بغير حجة، وتقديم قوله على قول من هو أعلم منه، وترك الحجة وأقوال أهل العلم لقوله، بل إن الله قد فطر عباده أيضًا على طلب الحجة والدليل المثبت لقول المدعي.

    ومن ثم أقام الله -سبحانه- البراهين والأدلة القاطعة، والحجج الواضحة، والآيات العظيمة، التي تبهر العقول على صدق أنبيائه ورسله؛ إقامةً للحجة، وقطعًا للمعذرة، مع أن الأنبياء أصدق الخلق وأعلمهم، وأبرهم قلوبًا، وأكملهم في جميع الصفات، والانقياد للحجة أمر مشترك بين أجناس البشر، وإن خالف بعضهم عنادًا في الظاهر فهو مستيقن بصحته في الباطن، فما فطر الله عليه عباده من الانقياد للدليل والحجة والبحث عنه يبطل قول المقلدين . ويجاب عن هذه المناقشة: بأن ما فطر الله عباده عليه من طلب الحجة لا ينافي جواز التقليد؛ لأن من لا يستطيع البحث عن الدليل، كالعامة ومن في حكمهم، ليس لهم طريق إلا التقليد لمن يستطيع البحث عن الدليل، ولا يستلزم جواز التقليد، تقديم المقلد على قول من هو أعلم منه، وترك الحجة إذا ظهرت على خلاف قول من قلده، لكن العامي لا يستطيع معرفة ذلك.

    الدليل الثاني:

    أن الله قد فاوت بين قوى الأذهان كما فاوت بين قوى الأبدان، فلا يحسن في حكمته وعدله ورحمته أن يفرض على جميع خلقه معرفة الحق بدليله، والجواب عن معارضه في جميع مسائل الدين دقيقها وجليلها، ولو كان الأمر كذلك لتساوت أقدام الخلق في كونهم علماء، بل جعل -سبحانه- هذا عالمًا، وهذا متعلمًا، وهذا متبعًا للعالم مؤتمًا به، وقد علم -سبحانه- أن الحوادث والنوازل كل وقت نازلة بالخلق؛ فلا يعقل أن يحرِّم على الجاهل أن يكون متبعًا للعالم مؤتمًا به مقلدًا له، ويفرض عليه أن يأخذ حكم نازلته من الأدلة الشرعية بشروطها ولوازمها، وهل هذا في الإمكان، فضلًا عن كونه مشروعًا.

    ونوقش هذا الدليل: بأن تفاوت الاستعداد لا يستلزم التقليد في كل حكم، ونحن لا ننكر أن الله فاوت بين الأذهان، ولا ندعي أن الله فرض على جميع خلقه معرفة الحق بدليله في كل مسألة من مسائل الدين دقيقه وجليله، بل الذي ننكره وينكره الأئمة، ما عليه المقلدون من نصب رجل واحد، وجعل فتاويه بمنزلة نصوص الشارع، بل تقدم عليها وعلى أقوال الصحابة اكتفاء بتقليده، فإن هذا ينافي حكمة الله ورحمته وإحسانه، ويؤدي إلى ضياع دينه، وهجر كتابه وسنة رسوله، كما هو الواقع من المقلدين .

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأن هذا وصف طبقة معينة من الفقهاء وهم المتعصبون لأئمتهم، بحيث لا يقبلون قولًا يخالف قولهم، وهذا خارج عن محل النزاع.

    الدليل الثالث:

    أن التقليد للعاجز عن النظر، والاستدلال أسلم له من طلب الحجة، ومانع التقليد إنما منعه خشية وقوع المقلد في الخطأ، بأن يكون من قلده مخطئًا في فتواه، ثم أوجب عليه النظر والاستدلال، ولا ريب أن صوابه في تقليده للعالم أقرب من صوابه في اجتهاده هو لنفسه، ومثله كمثل من أراد شراء سلعة لا خبرة له بها، فإنه إذا قلد عالمًا بتلك السلعة، خبيرًا بها، أمينًا ناصحًا، كان صوابه وحصول غرضه أقرب من اجتهاده لنفسه، وهذا متفق عليه بين العقلاء.

    ونوقش هذا الدليل بما يأتي:

    1- أن دعوى أن التقليد أسلم من طلب الحجة ممنوعة، فإن من ظفر بالحجة متيقن أنه على صواب، بخلاف المقلد فإنه شاك في صوابه، ولا شك أن طالب الحجة والمعتمد عليها أسلم عند الله من المقلد.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأن من ظفر بالحجة متيقن حقا أنه على صواب، ولكن هل يستطيع العامي الذي يحتاج إلى كسب معاشه الظفر بهذه الحجة؟.

    2- أن دعوى أن علة المنع من التقليد هي خشية الوقوع في الخطأ دعوى ممنوعة، بل إننا منعنا التقليد طاعةً لله ورسوله، حيث أن الله ورسوله قد منع من التقليد، وذم المقلدين في كتابه، وأمر بتحكيم كتابه ورسوله عند التنازع.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأن التقليد للعامي ومن في حكمه طاعة لله ورسوله؛ إذ أنه مأمور بالسؤال عند عدم العلم.

    3- أن دعوى: أن صواب المقلد في تقليده لمن هو أعلم منه أقرب من صوابه في اجتهاده دعوى ممنوعة؛ فإن المقلد إذا قلد من قد خالفه ممن هو أعلم منه أو نظيره في العلم، فإنه لا يدري مَن الصواب معه منهم، بل إنه كما قال الشافعي " حاطب ليل، إما أن يقع بيده عود، أو أفعى تلدغه، أما إذا بذل جهده في معرفة الحق فإنه لا يخلو: إما أن يظفر بالحق والصواب فيكون له أجران، وإما أن يخطئ فيحصل على أجر واحد، وهذا بخلاف المقلد فإنه إن أصاب لم يؤجر وإن أخطأ فهو آثم.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأن بذل الجهد من العامي المذكور متعذر، فلا سبيل له في معرفة الحكم إلا التقليد.

    4- أن المقلد لا يكون أقرب إلى الصواب إلا إذا عرف أن الصواب مع مقلده دون غيره، ولا يعرف ذلك إلا إذا عرف الدليل، وحينئذ لا يكون مقلدًا بل يكون متبعًا للحجة والدليل.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأنه يكتفي في معرفة الصواب بالمعرفة الإجمالية، وهي تتحقق بتقليد المجتهد العالم بالكتاب والسنة.

    5- أن الأقرب إلى الصواب عند تنازع العلماء من يرد المتنازَع فيه إلى القرآن والسنة، كما قال الله -تعالى-: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ بخلاف المقلد الذي يرد المتنازع فيه إلى قول متبوعه، دون غيره ممن هو مماثل له في العلم أو أعلم منهن لا سيما إذا كان معه الدليل.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأن الرد إلى قول المتبوع المماثل له في العلم ليس من التقليد المتنازع فيه، بل المتنازع فيه هو التقليد في فروع الدين للعامي ومن في حكمه.

    6- أن المثال الذي ضربتموه في من أراد شراء سلعة إلخ...، حجة عليكم، فإن من أراد شراء سلعة، واختلف عليه اثنان أو أكثر، وكل منهم يأمره بضد ما يأمره به الآخر، فإنه يتوقف ولا يقدم على تقليد واحد حتى يتبين له الصواب، ولو أقدم على قول واحد، مع مساواة الآخر له في المعرفة والنصيحة والديانة؛ لعدّ مخاطرًا مذمومًا، ولم يمدح ولو أصاب. فكذلك المقلد قبل تبين الصواب مذموم .

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأن المجيزين للتقليد لا يقولون بهذا في المثال ولا في التقليد قبل تبين الصواب أن هذا عالم مجتهد، فلا يكون حجة عليهم.
    أبو عبيدة الأثري
    أبو عبيدة الأثري
    مدير


    عدد الرسائل : 642
    الرتبة : التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي Ytyhyig4
    السٌّمعَة : 1
    نقاط : 109
    تاريخ التسجيل : 23/05/2008

    التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي Empty رد: التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي

    مُساهمة من طرف أبو عبيدة الأثري الأربعاء مايو 28, 2008 11:15 am

    الدليل الرابع:

    أن العامي ومن في حكمه لم يرزق من الفهم والعلم ما يمكنه أن يأخذ الحكم من القرآن وحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلم يبق له طريق إلا التقليد.

    ونوقش هذا الدليل بما يأتي:

    1- أن الله -سبحانه- أمر الناس أن بتدبر القرآن، فقال: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ولولا أن في وسعهم الفهم لأحكام القرآن ما أمرهم بتدبره، ولولا أن في وسعهم الفهم لكلام النبي -صلى الله عليه وسلم- ما أمره بالبيان للناس، ولا أمرهم بطاعته، والمقلدون من جملتهم، وقد قال الله -تعالى-: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا .

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأن أخذ الأحكام لا يتوقف على الفهم فقط، بل يحتاج أيضًا إلى توفر المعيشة، والانقطاع إلى دراسة كتاب الله وسنة رسوله، والعلوم المساعدة على فهمها وذلك غير ممكن من العامي ومن في حكمه.

    2- يقال للمقلدين كيف قصرت عقولكم عن فهم كلام الله، وتدبر كتابه، والأخذ به، واتسعت عقولكم للأخذ عمن تقلدونه، والفهم لما يقوله.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بالفرق. فإن فهم الحكم من كلام الله ورسوله يحتاج إلى مجهود وتوفر آلات الاجتهاد، بخلاف فهم الحكم من كلام المقلد، فإنه لا يحتاج إلى شيء من ذلك.

    2- أن الله لا يأمر بشيء إلا وقد أوضح الطرق الموصلة إليه، وسهّلها وبيّنها، وقد ضمن الله -تعالى- العون على فهم كلامه، ويسره للتدبر والتذكر، ولا شك أن وجوه معرفة أحكام الآيات والأحاديث التي أمرنا بقبولها بينة لمن طلبها.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأن الطرق الموصلة إلى أخذ الأحكام من الكتاب والسنة واضحة لطالب العلم، لكن العامي الذي لم يصل إلى درجة استنباط الأحكام، يحتاج إلى جهد وانقطاع، تتعطل معه مصالحه في كسب معاشه، حتى يصل إلى هذه الطرق، وأما الإعانة على فهم الكتاب والسنة فهي إعانة على التحصيل والفهم، لا على توفير المال والإمكانيات لمعاش العامي ومعاش أهله .

    الدليل الخامس:

    أن المنع للعاجز عن أخذ الحكم من النصوص يوجب عليه النظر في الأدلة، والأدلة تشتبه عليه والصواب يخفى، والتقليد سليم في حقه، فوجب العدول إليه.

    ونوقش هذا الدليل بما يأتي:

    1- أن العلة التي مدحتم بها التقليد بها يذم التقليد، فإنه إذا كانت الأدلة تشتبه والصواب يخفى، وجب هجر التقليد لئلا يوقع في ضلال.

    2- أن في التقليد إبطالًا لمنفعة العقل التي أمر الله بالانتفاع بها، حيث قال -تعالى-: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا .

    وقال ابن الجوزي اعلم أن المقلد على غير ثقة فيما قلد فيه، وفي التقليد إبطال منفعة العقل، وقبيح بمن أُعطي شمعة يستضيء بها أن يطفئها ويمشي في الظلمة ا. هـ .

    ويجاب عن هاتين المناقشتين: بأن هذا يقال في حق القادر على الاستنباط والفهم من النصوص، فإنه يجب عليه هجر التقليد، وفي تقليده إبطال لمنفعة عقله، أما العامي ومن في حكمه فليس له طريق إلا التقليد، وهو مأمور بسؤال العلماء

    الدليل السادس:

    أن المانع للتقليد مقر بأن الأئمة المقلَّدين على هدى، فوجب أن يكون من قلدهم من العامة على هدى؛ لأنهم متبعون لطريقتهم فيما يأمرونهم به.

    ونوقش هذا الدليل: بأن المقلِّدين لو ساروا خلف الأئمة واتبعوا طريقتهم لأبطلوا التقليد، فإن طريقة الأئمة اتباع الحجة والدليل، وقد نهوا الناس عن تقليدهم، فمن ارتكب ما نهى عنه الأئمة من التقليد فليس على طريقتهم، بل هو من المخالفين لهم.

    ويجاب عن هذه المناقشة: بأن الأئمة إنما نهوا القادر على الاستنباط عن التقليد، لكنهم لم ينهوا العامة العاجزين عن النظر في المنزل من الكتاب والسنة، فهؤلاء إذا قلدوا فقد ساروا على طريقتهم، وهم حينئذ مهتدون وليسوا ضالين .

    المبحث الثاني
    في مناقشة المقلدين
    تقليد المتعصبين من الفقهاء لأئمتهم، رغم مخالفة ما نقل عن أئمتهم للصحيح من الكتاب والسنة، هل هو جائز أو غير جائز.

    لا يجوز هذا إلا إذا وجد ما يبيح التقليد مما يدخل تحت أحد الأصناف الثلاثة التي يجوز لها التقليد.

    ذكر بعض المناقشات والأمثلة التي تبين عدم الجواز، مع تحليلها، واستخلاص النتيجة المذكورة.

    مناقشة المقلدين المتعصبين لأئمتهم والاحتجاج عليهم بحجج عقلية:

    المناقشة الأولى:

    يقال لمن حكم بالتقليد: هل لك من حجة فيما حكمت به؟ فإن قال: نعم. بطل التقليد؛ لأن الحجة أوجبت ذلك عنده لا التقليد، وإن قال: حكمت بغير حجة. قيل له: فلم أريقت الدماء، وأبيحت الفروج، وأتلفت الأموال، وقد حرم الله ذلك إلا بحجة؟

    فإن قال: أنا أعلم أني أصبت، وإن لم أعرف الحجة؛ لأني قلدت كبيرًا من العلماء وهو لا يقول إلا بحجة خفيت عليّ. قيل له: إذا جاز تقليد معلمك؛ لأنه لا يقول إلا بحجة خفيت عليك، فتقليد معلم معلمك أولى؛ لأنه لا يقول إلا بحجة خفيت على معلمك، كما لم يقل معلمك إلا بحجة خفيت عليك.

    فإن قال: نعم. ترك تقليد معلمه إلى تقليد معلم معلمه، وكذلك من هو أعلى حتى ينتهي الأمر إلى أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإن أبى ذلك نقض قوله، وقيل له: كيف تجوز تقليد من هو أصغر وأقل علمًا، ولا تجوز تقليد من هو أكبر وأكثر علما؟ فهذا تناقض.

    فإن قال: لأن معلمي وإن كان أصغر فقد جمع علم من هو فوقه إلى علمه، فهو أبصر بما أخذ وأعلم بما ترك. قيل له: وكذلك من تعلم من معلمك فقد جمع علم معلمك وعلم من فوقه إلى علمه، فيلزمك تقليده وترك تقليد معلمك، وكذلك أنت أولى بتقليد نفسك من معلمك؛ لأنك جمعت علم معلمك وعلم من هو فوقه إلى علمك. فإن قلد قوله جعل الأصغر ومن يحدث من صغار العلماء أولى بالتقليد من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكذلك الصاحب عنده يلزمه تقليد التابع، والتابع مَن دونه في قياس قوله، والأعلى للأدنى، وكفى بقول يؤول إلى هذا تناقضا وفسادًا .

    المناقشة الثانية:

    يقال للمقلدين المتعصبين لأئمتهم: هل دين الله عندكم: الأقوال المختلفة المتضادة، التي يناقض بعضها بعضها، ويبطل بعضها بعضًا، أم هو واحد لا يتعدد؟ فإن قالوا: بل هذه الأقوال المتضادة المتعارضة كلها دين الله. خرجوا عن نصوص أئمتهم؛ فإن جميعهم متفقون على أن الحق في واحد، كما أن القبلة في جهة من الجهات، وخرجوا أيضًا عن نصوص القرآن والسنة والمعقول الصريح، وجعلوا دين الله تبعًا لآراء الرجال.

    وإن قالوا: الصواب أن دين الله واحد، وهو ما أنزل الله به كتابه وأرسل به رسوله، كما أن نبيه واحد وقبلته واحدة. قيل لهم: فالواجب إذن طلب الحق، وبذل الجهد في الوصول إليه بحسب الإمكان، فقد أوجب الله على الخلق تقواه بحسب استطاعتهم، ومعرفة ما به تكون التقوى لا تكون إلا بنوع اجتهاد منكم، وطلب وتحرٍّ للحق دون التقليد .

    المناقشة الثالثة:

    يقال للمقلد المتعصب: بأي شيء عرفت أن الصواب مع من قلدته دون من لم تقلده؟ فإن قاله: عرفته بالدليل. قيل له: لست بمقلد حينئذ. وإن قال: عرفته تقليدًا له؛ لأنه أفتى بهذا القول ودان به، وعلمه ودينه وحسن ثناء الأمة عليه يمنعه أن يقول غير الحق. قيل له: أفمعصوم هو عندك، أم يجوز عليه الخطأ؟

    فإن قال: إنه معصوم. فقد خالف الأدلة الدالة على أنه لا عصمة لغير محمد -صلى الله عليه وسلم- من البشر، وإن جوز عليه الخطأ، قيل له: فما يؤمنك أن يكون قد أخطأ فيما قلدته فيه وخالف فيه غيره. فإن قال: إنه إن أخطأ فهو مأجور. قيل له: هو مأجور لاجتهاده، وأنت غير مأجور؛ لأنك لم تأت بموجب الأجر، بل قد فرطت في الاتباع الواجب، فأنت مأزور.

    فإن قال: كيف يأجره الله على ما أفتى به، ويثني عليه، ويذم المقلد له؟ قيل له: المقلَّد إن قصر وفرط في معرفة الحق مع قدرته عليه لحقه الذم والوعيد، وإن بذل جهده ولم يقصر واتقى الله ما استطاع فهو مأجور، وأما المتعصب الذي يجعل قول متبوعه عيارًا على الكتاب والسنة وأقوال الصحابة يزنها به، ما وافق قول مقلده منها قبله، وما خالفه رده، فهذا يذم ويلحقه الوعيد.

    وإن قال: قلدته ولا أدري: أعلى صواب هو، أم لا؟ فالعهدة على القائل، وأنا حاك لأقواله. قيل له: فهل تتخلص بهذا عند سؤالك أمام الله عما حكمت به بين عباد الله وأفتيتهم به، فإن للحكام والمفتين لموقفًا للسؤال لا يتخلص منه إلا من عرف الحق، وحكم به وأفتى به دون من عداه .
    أبو عبيدة الأثري
    أبو عبيدة الأثري
    مدير


    عدد الرسائل : 642
    الرتبة : التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي Ytyhyig4
    السٌّمعَة : 1
    نقاط : 109
    تاريخ التسجيل : 23/05/2008

    التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي Empty رد: التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي

    مُساهمة من طرف أبو عبيدة الأثري الأربعاء مايو 28, 2008 11:17 am

    المناقشة الرابعة:

    يقال للمقلد المتعصب: لم أخذت بقول فلان؟ هل ذلك لأن فلانا قاله، أو لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قاله؟ فإن قال: لأن فلانا قاله. فيقال له: فقد جعلت قوله حجة، وهذا عين الباطل. وإن قال: لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قاله، كان هذا أعظم وأقبح؛ لتضمنه لأمرين عظيمين، أحدهما: الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، والثاني: التقول على المتبوع مما لم يقله، فإنه لم يقل: إن هذا قول رسول الله -عليه الصلاة والسلام- ، فقد لزم المقلد المتعصب أحد أمرين لا ثالث لهما:

    الأول: جعل قول غير المعصوم حجة.

    الثاني: تقويل المعصوم ما لم يقله، وكلاهما عظيم عند الله .

    المناقشة الخامسة:

    يقال للمقلد المتعصب لإمامه: هل يجوز أن يخفي على من قلدته بعض شأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، كما خفي ذلك على سادات الأمة أولًا؟ فإن قال: لا يخفى عليه شيء من ذلك. بلغ في الغلو فيه مبلغ مدعي العصمة في الأئمة، وإن قال: يجوز أن يخفى عليه شيء. قيل له: فنحن نناشدك الله، إذا قضى الله ورسوله أمرًا خفي على من قلدته، هل تبقى لك الخيرة بين قول إمامك ورده، أم تنقطع خيرتك؟ ويجب عليك العمل بما قضاه الله ورسوله دون سواه؛ فأعد لهذا السؤال جوابًا، وللجواب صوابًا .

    أمثلة من تخبط المقلدين
    في الأخذ ببعض السنة وترك بعضها الآخر
    لقد أخذ المقلدون المتعصبون لأئمتهم يهيمون على وجوههم، ويتخبطون خبط عشواء، فأخذوا ببعض السنة، وتركوا بعضها الآخر؛ تعصبًا لأئمتهم ومذاهبهم؛ فنجدهم يحتجون بالحديث فيما لم يرد به وما لم يدل عليهن ويبطلون الاحتجاج به فيما أريد به ودل عليه، ويتبين ذلك واضحًا منهم في الأمثلة الآتية:

    المثال الأول:

    احتج طائفة من الفقهاء بحديث: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يغتسل الرجل بفضل وضوء المرأة، والمرأة بفضل الرجل على سلب طهورية الماء المستعمل في رفع الحدث، وقالوا: فضل وضوئهما: هو الماء المنفصل عن أعضائهما، وجوزوا لكل من الرجل والمرأة أن يتوضأ بالفاضل والباقي من طهور الآخر، وليس للخلوة عندهم أثر، ولا لكون الفضلة فضلة امرأة أثر.

    مع أن هذا هو المقصود بالنهي في الحديث، فخالفوه وحملوا الحديث على غير محمله، فإن فضل الوضوء يقينًا هو الماء الذي فضل من المتوضئ وليس هو الماء المتوضأ به؛ إذ لا يقال له فضل الوضوء، فاحتجوا بالحديث فيما لم يرد به، وأبطلوا الاحتجاج فيما أريد به .

    المثال الثاني:

    استدل طائفة منهم بحديث ابن عباس في الذي وقصته ناقته وهو محرم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا تخمِّروا رأسه ولا وجهه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا على منع المحرم من تغطية وجهه، ثم خالفوه، وقالوا: إذا مات المحرم جاز تغطية رأسه ووجهه، وقد بطل إحرامه .

    المثال الثالث:

    احتجوا على إسقاط الضمان بجناية المواشي بقوله -عليه السلام-: العجماء جرحها جُبَار ثم خالفوا الحديث، وقالوا: من ركب دابة أو قادها أو ساقها فهو ضامن لمن عضت بفمها، ولا ضمان عليه فيما أتلفت برجلها .

    وعندي: أن قول الفقهاء ليس فيه مخالفة للحديث؛ لأن من ركب دابة أو قادها فهو متصرف فيها، ويقدر على منعها، فيضمن ما أتلفته بفمها دون ما أتلفته برجلها؛ لأنه لا يقدر على منعها منه، فيكون الحديث محمولًا على ما أتلفته برجلها، إذا كان معها راكب أو قائد أو سائق، وكذلك يشمل الحديث ما أتلفته مطلقًا إذا لم يكن معها أحد.

    المثال الرابع:

    احتجوا بالحديث الصحيح: عن عمر بن الخطاب أنه نذر في الجاهلية أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام فأمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يفي بنذره .

    احتجوا به على عدم اشتراط الصوم في الاعتكاف كما دل عليه الحديث، ثم خالفوا الحديث فيما دل عليه أيضًا، وقالوا: إن نذر الكافر لا ينعقد، ولا يلزم الوفاء به بعد الإسلام .

    المثال الخامس:

    احتجوا بحديث بُسر بن أرطأة أنه وجد رجلاً يسرق في الغزو، فجلده ولم يقطع يده، وقال: نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن القطع في الغزو . احتجوا به على أن الحدود تسقط عن المسلم في دار الحرب إذا فعل ما يوجبها، ثم خالفوا الحديث وقالوا: لا أثر للسفر ولا للغزو في ذلك .

    المثال السادس:

    احتجوا بحديث المصراة: لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردّها وصاعًا من تمر على أن خيار الشرط لا يكون أكثر من ثلاثة أيام، مع أنه ليس في الحديث تعرض لخيار الشرط لا يكون أكثر من ثلاثة أيام، مع أنه ليس في الحديث تعرض لخيار الشرط، وخالفوا ما دل عليه الحديث من إثبات خيار التدليس، فلم يقولوا به .

    المثال السابع:

    احتجوا بحديث: القصعة التي كسرتها إحدى أمهات المؤمنين، فرد النبي -صلى الله عليه وسلم- على صاحبة القصعة نظيرتها . احتجوا به على تضمين المتلف ما أتلفه، وأنه يملك هو ما أتلفه، ثم خالفوا الحديث، فقالوا: إنما يضمن بالدراهم والدنانير ولا يضمن بالمثل .

    المثال الثامن:

    احتجوا بحديث سعيد بن المسيب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع اللحم بالحيوان . على المنع من بيع الزيت بالزيتون، إلا بعد العلم بأن ما في الزيتون من الزيت أقل من الزيت المفرد، ثم خالفوا الحديث فيما دل عليه، وقالوا: يجوز بيع اللحم بالحيوان من نوعه وغير نوعه .

    ذكر بعض ما روي عن الصحابة من النهي عن الأخذ بآراء الرجال للقادر على الأخذ من الكتاب والسنة، وما روي عن الأئمة الأربعة من الذم لمن قلدهم بغير حجة وهو قادر على أخذ الحجة من مصدرها - الكتاب والسنة
    أبو عبيدة الأثري
    أبو عبيدة الأثري
    مدير


    عدد الرسائل : 642
    الرتبة : التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي Ytyhyig4
    السٌّمعَة : 1
    نقاط : 109
    تاريخ التسجيل : 23/05/2008

    التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي Empty رد: التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي

    مُساهمة من طرف أبو عبيدة الأثري الأربعاء مايو 28, 2008 11:19 am

    نهي الصحابة عن الاستنان بالرجال
    روي عن الصحابة نصوص كثيرة في النهي عن الأخذ بآراء الرجال والأمر بالأخذ بالسنة نذكر بعضها فيما يلي:

    1- ذكر أبو عمر بن عبد البر في كتابه جامع بيان العلم وفضله، عن أبي البختري عن علي -رضي الله عنه- قال: إياكم والاستنان بالرجال؛ فإن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة، ثم ينقلب لعلم الله فيه فيعمل بعمل أهل النار، فينقلب لعلم الله فيه فيعمل بعمل أهل الجنة، فيموت وهو من أهل الجنة، فإن كنتم لا بد فاعلين فبالأموات لا بالأحياء.

    2- وقال ابن مسعود ألا لا يقلدن أحدكم دينه الرجال، إن آمن آمن، وإن كفر كفر، فإنه لا أسوة في البشر.

    3- وعن زرّ بن حبيش عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقول: اغد عالمًا أو متعلمًا، ولا تغد إمعة فيما بين ذلك.

    4- وعن ابن مسعود قال: كنا ندعو الإمعة في الجاهلية: الذي يُدعي إلى الطعام فيذهب معه بغيره، وهو فيكم اليوم المحقب دينه الرجال.

    5- وقال عبد الله بن المعتمر لا فرق بين بهيمة تنقاد وإنسان يقلد .


    نهيُ الأئمة الأربعة عن تقليدهم
    وذمهم لمن أخذ أقوالهم بغير حجة
    رُوي عن الأئمة الأربعة نقول كثيرة في المنع من تقليدهم، والأمر بتقديم النص من الكتاب والسنة على آرائهم لمن هو قادر على ذلك، وهي حجة على المتعصبين من الفقهاء الذين يتعصبون لمذاهبهم مع قدرتهم على الاستنباط من الكتاب والسنة ومعرفة الحق بدليله، نذكر بعض ما نقل عنهم لتكون حجة على هؤلاء:

    مما روي عن الإمام أبي حنيفة

    1- روي عنه، وعن صاحبه أبي يوسف أنهما قالا: لا يحل لأحد أن يقول بقولنا حتى يعلم من أين قلنا .

    2- وقال أبو حنيفة هذا رأيي، وهذا أحسن ما رأيت فمن جاء برأي خير منه قبلناه، ولهذا لما اجتمع أفضل أصحابه - أبو يوسف - بمالك فسأله عن مسألة الصاع وصدقة الخضروات، ومسألة الأجناس، فأخبره مالك بما تدل عليه السنة في ذلك، فقال: رجعت إلى قولك، يا أبا عبد الله ولو رأى صاحبي ما رأيتَ لرجع إلى قولك كما رجعتُ .

    3- وقال أبو حنيفة علمنا هذا رأيي وهو أحسن ما قدرنا عليه، ومن جاءنا بأحسن منه قبلناه منه .

    4- وقد روى جماعة من أصحاب أبي حنيفة أنه قيل له: إذا قلت قولًا وكتاب الله يخالفه؟ قال: اتركوا قولي بكتاب الله. فقيل له: إذا كان خبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- يخالفه؟ قال: اتركوا قولي بخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم-. فقيل له: إذا كان قول الصحابي يخالفه، فقال: اتركوا قولي بقول الصحابي ا. هـ .

    مما روي عن الإمام مالك

    1- قال معن بن عيسى سمعت مالكًا يقول: إنما أنا بشر أخطيء وأصيب، فانظروا في قولي، فكل ما خالف الكتاب والسنة فاتركوه هـ .

    2- وقال جعفر الفريابي حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثني الهيثم بن جميل قال: قلت لمالك بن أنس يا أبا عبد الله إن قومًا وضعوا كتابًا، يقول أحدهم: حدثنا فلان، عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بكذا وكذا، وفلان عن إبراهيم بكذا، ويأخذ بقول إبراهيم قال مالك وصحّ عندهم قول عمر قلت: إنما هي رواية، كما صح عندهم قول إبراهيم فقال مالك هؤلاء يستتابون .

    ووجه الدلالة من هذه القصة:

    أن مالكًا صرّح بأن من ترك قول عمر بن الخطاب لقول إبراهيم النخعي أنه يستتاب؛ وذلك لأن احتمال الخطأ في آراء إبراهيم أكثر من احتمال الخطأ في آراء عمر بن الخطاب وهذا يدل على أن مالكًا ينهى عن تقليده ويذم من أخذ قوله بغير حجة.

    3- وقال ابن القاسم كان مالك يكثر أن يقول: إن نظن إلا ظنًّا، وما نحن بمستيقنين .

    ووجه الدلالة: أن مالكًا إذا كان يرى في آرائه احتمال الخطأ، فيكون من الواضح عدم دعوة غيره إلى تقليده في هذا الخطأ.

    4- وقال مالك عند موته: وددت أني ضربت بكل مسألة تكلمت فيها برأيي سوطًا، على أنه لا صبر لي على السياط .

    ووجه الاستدلال: أن مالكًا تمنى عند موته أن لو ضرب سوطًا على كل مسألة تكلم فيها برأيه؛ خوفًا من أن يقلد فيها وهو مخطيء، فيكون من الواضح أنه ينهى عن تقليده في الخطأ.

    مما روي عن الإمام الشافعي

    1- قال -رحمه الله-: مثل طالب العلم بلا حجة كحاطب ليل، يحمل حزمة حطب، وفيها أفعى تلدغه وهو لا يدري .

    2- وقال: إذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط، وإذا رأيت الحجة موضوعة على الطريق فهي قولي .

    3- وفي مختصر المزني لمّا ذكر أنه اختصره من مذهب الشافعي لمن أراد معرفة مذهبه، قال: مع إعلامه نهيه عن تقليده وتقليد غيره من العلماء .

    4- وقال: إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقولوا بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودعوا ما قلته .

    5- وقال: إذا صح الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقلت أنا قولًا، فأنا راجع عن قولي وقائل بذلك الحديث .

    6- وعن الربيع قال: سمعت الشافعي يقول: كل مسألة يصح فيها الخبر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند أهل النقل بخلاف ما قلت، فأنا راجع عنها في حياتي وبعد مماتي .

    7- ونقل إمام الحرمين في نهايته، عن الشافعي أنه قال: إذا صح خبر يخالف مذهبي فاتبعوه، واعلموا أنه مذهبي .

    8- وقال حرملة بن يحيى قال الشافعي ما قلت وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد قال بخلاف قولي، فما صح من حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أولى، ولا تقلدوني .

    مما روي عن الإمام أحمد

    1- قال أبو داود قلت لأحمد الأوزاعي هو أتبع من مالك قال: لا تقلد دينك أحدًا من هؤلاء، ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه فخذ به، ثم التابعين بعدُ الرجل فيه مخيّر .

    2- وقال أبو داود قال لي أحمد لا تقلدوني ولا مالكا ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري وخذ من حيث أخذوا، وفي رواية: وتعلموا كما تعلمنا .

    3- وقال: لا تقلد دينك الرجال، فإنهم لن يسْلَموا من أن يغلطوا .

    4- وقال: من قلة فقه الرجل أن يقلد دينه الرجال .

    5- وقال: من ضيق علم الرجل أن يقلد في اعتقاده رجلًا .

    6- وقال: عجبتُ لقوم عرفوا الإسناد وصحته، يذهبون إلى رأي سفيان والله -سبحانه- يقول: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك، لعله إذا ردّ بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك .
    أبو عبيدة الأثري
    أبو عبيدة الأثري
    مدير


    عدد الرسائل : 642
    الرتبة : التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي Ytyhyig4
    السٌّمعَة : 1
    نقاط : 109
    تاريخ التسجيل : 23/05/2008

    التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي Empty رد: التقليد والافتاء والاستفتاء للشيخ الراجحي

    مُساهمة من طرف أبو عبيدة الأثري الأربعاء مايو 28, 2008 11:30 am

    طريق أهل العلم خلاف ما عليه المقلدون
    لا يخفى على كل عاقل أن طريق أهل العلم لا يتفق مع ما عليه المقلدون المتعصبون لأئمتهم من الفقهاء فإن طريق أهل العلم طلب أقوال العلماء وضبطها، والنظر فيها، وعرضها على القرآن الكريم والسنن الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأقوال خلفائه الراشدين، فما وافق منها الكتاب أو السنة أو أقوال الخلفاء الراشدين قبلوه، ودانو به، وحكموا به، وأفتوا به، وما خالف شيئًا منها ردوه ولم يلتفتوا إليه، وما لم يتبين لهم فيه شيء اجتهدوا فيه، وكان عندهم سائغ الاتباع، لا واجب الاتباع، من غير أن يلزموا بها أحدًا، أو يقولوا: إنها الحق، وما خالفها هو الباطل.

    وأما المقلدون المتعصبون فعلى ضد طريقة أهل العلم فإنهم قلبوا الأوضاع، فعمدوا إلى كتاب الله وسنة رسوله وأقوال خلفائه وأصحابه، فعرضوها على أقوال مقلديهم، فما وافقها منها قبلوه وانقادوا له مذعنين، وما خالف أقوال من يقلدونه لم يقبلوها، واحتالوا في ردها، وتطلبوا لها وجوه الحيل بكل ما يستطيعون.

    قال سند بن عنان المالكي في شرحه في مدوّنة سحنون:

    واعلم أن مجرد الاقتصار على محض التقليد لا يرضى به رجل رشيد، وإنما هو شأن الجاهل البليد أو الغبي العنيد.

    وقال أيضًا: نفس المقلد ليس على بصيرة، ولا يتصف من العلم بحقيقة؛ إذ ليس التقليد بطريق إلى العلم بوفاق أهل الوفاق .

    المقلدون المتعصّبون مخالفون أمر الله، وأمر رسوله، وهدي أصحابه، وأمر أئمتهم، إن هؤلاء المتعصبين من الفقهاء في تقليدهم لأئمتهم في آرائهم واجتهاداتهم التي يخطئون فيها ويصيبون، يخالفون ما أمر الله به، ويخالفون ما أمر به رسوله، ويخالفون ما عليه صحابته، ويخالفون أوامر أئمتهم.

    أما مخالفتهم لأمر الله:

    فإن الله -سبحانه- أمر برد ما تنازع فيه المسلمون إليه وإلى رسوله، كما في قوله -سبحانه-: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ والمقلدون يردون ما تنازعوا فيه إلى من قلدوه.

    وأما مخالفتهم لأمر رسول الله -عليه الصلاة والسلام-:

    فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر عند الاختلاف بالأخذ بسنته وسنة خلفائه الراشدين المهديين، وأمر أن يُتمسك بها، فقال -عليه الصلاة والسلام-: فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجذ والمقلدون يتمسكون عند الاختلاف بقول من قلدوه، ويقدمونه على كل من سواه.

    وأما مخالفتهم لهدي الصحابة فمن المعلوم بالضرورة أنه لم يكن فيهم شخص واحد وهو يقدر على الاستنباط والاجتهاد يقلد رجلا واحدًا، يتعصب له في جميع أقواله، ويخالف من عداه من الصحابة بحيث لا يردّ من أقواله شيئًا ولا يقبل من أقوال غيره شيئًا، كما هو حال المقلدين المتعصبين

    وأما مخالفتهم لأقوال أئمتهم: فإن الأئمة نهوهم عن تقليدهم، وحذروهم من الأخذ بأقوالهم عند مخالفتها للنصوص، فخالفوهم وأخذوا بآرائهم، وتركوا نصوص الكتاب والسنة .

      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين نوفمبر 25, 2024 12:42 am