بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الذي أمرنا باتباع المنزَّل في كتابه: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ والصلاة والسلام على رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي دعا الناس إلى الهداية، وحثّهم على التمسك بالكتاب والسنة، والقائل: ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم وعلى آله وأصحابه، الذين بادروا إلى امتثال أوامره، والانتهاء عن نواهيه، وتحرروا من قيود التقليد، وعلى من تبعهم من المجتهدين من أئمة المسلمين الذين بذلوا أقصى جهودهم العقلية في استمداد الأحكام الشرعية من مصادرها، واستخرجوا من نصوص الشريعة كنوزًا تشريعية ثمينة، والذين عُنوا بوضع قواعد للاستمداد وقوانين للاستنباط، صلاة وسلامًا إلى يوم الدين.
أما بعد، فإنه من المعروف لدى كل لبيب أن خير ما أنفق الإنسان فيه نفيس أوقاته، وهجر لأجله الأولاد والأخلاء والأصحاب، هو اكتساب العلم والاشتغال به ؛ إذ هو السبب لإنارة الطريق الموصلة إلى الله -سبحانه- وإلى رضاه، وبالتالي إلى سعادة الدارين، وشرف المنزلتين، وبقاء الذكر الحسن مدى الحياة، كما قال -سبحانه- حكايةً عن إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-: وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ .
من أجل ذلك استمددت العون من الله، وعزمت على المساهمة في الكتابة والإدلاء بدلوي، واخترت أن يكون بحثي في علم أصول الفقه؛ لأنه الأصل والعكازة التي يرتكز عليها الأئمة المجتهدون لاستنباط الأحكام الشرعية، وبعد وقفة تأمل في اختيار موضوع البحث، ترجح لدي أن يكون موضوع بحثي: " التقليد والإفتاء والاستفتاء "؛ وإنما اخترت هذا البحث للأسباب التالية:
1- أن كثيرًا من الناس وقع في التقليد المحرم، كأن يقلد آباءه في بعض فروع الدين فيما فيه مخالفة للشريعة، أو يقلد بعد قيام الحجة وظهور الدليل، أو يقلد من ليس أهلًا للتقليد.
2- أن فتنة المقلدين عظيمة، تركوا لأجله نصوص الكتاب والسنة؛ اكتفاء بآراء الرجال.
3- أن التقليد ليغير من يجوز له يعمي البصيرة، ويلغي العقل، ويسد باب الاجتهاد والنظر والفكر في فهم النصوص.
طريقة البحث
لذا رأيت أن أبيّن في بحثي أنواع التقليد، وأنه لا يجوز إلا عند الحاجة والضرورة، وأن التقليد ليس بعلم، وأن طريقة الأئمة المجتهدين كانت اتباع الحجة والنهي عن تقليدهم، ثم أبيّن -بعد ذلك- ما يتبعه من أحكام الإفتاء والاستفتاء.
ورتبت هذه المباحث على: تمهيد، وأربعة أبواب، وخاتمة:
فالتمهيد: في معنى التقليد لغة، ومعناه اصطلاحًا، وأمثلة له، ونتائج من تعريف التقليد وأمثلته، ووجه الارتباط بين المعنى اللغوي والاصطلاحي، والفرق بين التقليد والاتباع، ونبذة تاريخية عن أدوار الفقه ومراحله، ومتى كان دور التقليد.
والباب الأول: في التقليد، وفيه فصلان: الفصل الأول في أقسامه، والفصل الثاني في أسباب التقليد ومراحله.
والباب الثاني: في المفتي، وفيه فصلان: الفصل الأول في أقسامه، والفصل الثاني في ما يتعلق بالمفتي.
والباب الثالث: في المستفتي، وفيه فصلان: الفصل الأول في أقسام المستفتي، والفصل الثاني فيما يتعلق بالمستفتي.
والباب الرابع: فيما فيه الاستفتاء، وفيه فصلان: الفصل الأول في الاستفتاء في القضايا العلمية، والفصل الثاني في القضايا الظنية الاجتهادية.
وأما الخاتمة فتتضمن المباحث الآتية:
1- جواز الأخذ بأقوال الصحابة والتابعين وأنه ليس من التقليد.
2- فوائد وإرشادات تتعلق بالإفتاء.
3- أمثلة من فتاوى إمام المفتين رسول رب العالمين.
وقصدت من ذلك الوصول إلى الحق في المسائل التي بحثتها؛ لذلك قرنت الأقوال بالأدلة -حسب الاستطاعة- مع المناقشة؛ ليتبين للناظر من خلال ذلك من هو الأسعد بالدليل.
وأرجو الله أن ينفع بها في الدنيا، وأن يثيبني عليها في العقبى، إنه سميع مجيب.
وهذا أوان الشروع فيما قصدت، ومن الله أستمد المعونة والسداد، وأستلهمه الرشاد فيما أردت، وهو حسبي ونعم الوكيل.
عدل سابقا من قبل أبو عبيدة الأثري في الأربعاء مايو 28, 2008 11:34 am عدل 1 مرات