انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى قائم على منهج السلف الصالح في فهم النصوص الشرعية


2 مشترك

    تعدد الزوجات لفضيلة الشيخ صالح الحصين حفظه الله

    أبو عبيدة الأثري
    أبو عبيدة الأثري
    مدير


    عدد الرسائل : 642
    الرتبة : تعدد الزوجات لفضيلة الشيخ صالح الحصين حفظه الله Ytyhyig4
    السٌّمعَة : 1
    نقاط : 109
    تاريخ التسجيل : 23/05/2008

    تعدد الزوجات لفضيلة الشيخ صالح الحصين حفظه الله Empty تعدد الزوجات لفضيلة الشيخ صالح الحصين حفظه الله

    مُساهمة من طرف أبو عبيدة الأثري الأربعاء يوليو 16, 2008 12:43 pm

    بسـم الله الرحمن الرحيم

    وصلاة وسلام على على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين


    تعدد الزوجات لمعالي الشيخ صالح بن عبد الرحمن الحصين سُئلت من قبل بعض الأخوة عن معنى قول الله تعالى: ( وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدةً ...) وسأتحدث في هذه المقالة عن المعاني الجليلة التي اشتملت عليها هذه الآية الكريمة.


    فهذه الآية واحدة من بضع آيات في أول سورة النساء جاءت لحماية حقوق اليتامى ذكوراً وإناثاً.


    وفرض على المجتمع القيام لهم بالعدل، والتحذير من الإخلال بذلك، والهداية إلى الوسائل التي تكْفُل العدل في اليتامى بإيفائهم حقوقهم سواء من قبل الأفراد أو المجتمع.

    والنص الكريم الوارد في السؤال مؤلف كما قال الإمام القرطبي في تفسيره من جزأين؛ شرط هو: (إن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى)وجوابه: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع…). وأول ما يتبادر إلى ذهن السامع والقارئ السؤال ما هي العلاقة بين الشرط والجواب؟ ما هي العلاقة بين الإقساط في اليتامى – أي العدل فيهم بإعطائهم حقوقهم - وتعدد الزوجات؟ كيف يكون تشريع تعدد الزوجات مقتضياً وموجباً للعدل في اليتامى؟ تبين لنا عند الرجوع إلى التفسير بالمأثور أن الإمام ابن جرير رحمه الله أورد في تفسير هذه الآية الكريمة وبيان سبب نزولها أربعة أقوال للسلف مختلفة، ولكن اختلافها اختلاف تنوع لا اختلاف تعارض وتضاد، وهي في هذا الاختلاف محكومة بالقاعدة المعروفة أن: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وأن: القول بأن آية معينة نزلت في كذا قد يعني أن هذا الوضع يشمله معنى الآية المعينة وحكمها. والمقصود(باليتامى) في الآية في أحد الأقوال (اليتيمات) وفي الأقوال الأخرى (الذكور والإناث الأيتام). وفي تفسير القرآن لابد من الحذر من التجاوز عن التفسير بالمأثور، أو ما اختاره أئمة التفسير المعروفين، ولكن ذلك لا يمنع عند تدبر القرآن من استلهام معان يمكن أن يتناولها اللفظ - من حيث اللغة - ولا تتعارض مع أحكام الشرع. ومن هذا المنطلق ربما تكون الدلالة اللفظية المجردة للنص الكريم مشيرة إلى الحكمة من تشريع تعداد الزوجات، ولا شك أن الواقع العملي يثبت وجود علاقة قوية، وأكيدة، وظاهرة بين وجود تعدد الزوجات في المجتمع؛ وضمان حقوق اليتامى بوجه عام، توضيح ذلك فيما يلي: لا يستطيع المجتمع أن يقوم بما فرضه الله عليه من الوفاء بحقوق اليتامى بإيجاد (دُور أيتام) كافيه لاستيعاب أعدادهم. أولاً: أن لدُور الأيتام سلبيات كثيرة لا يبرر التسامح تجاهها إلاّ قيام الضرورة لوجود (دُور الأيتام) وعدم البديل لها. وثانياً: لأن لليتيم حاجات تتعدى حاجة الجسم من الأكل واللباس والمأوى؛ حاجات عاطفية، ونفسية، وتربوية لا تقل في أهميتها عن الحاجات الجسمية، والواقع العملي وأحكام الشرع (الإسلامي) تظهر أن هذه الحاجات في الغالب تُلَبّى عندما تتزوج أم اليتيم؛ فيكون له أب بديل، وجوّ أسريّ بديل، وإخوة وأخوات من أمه، وتكون علاقة زوج الأم بربيبه أو ربيبته (أولاد الأم من الزوج السابق) مشابهة في الغالب لعلاقته بأولاده لصلبه، حتى أنه يحرم عليه شرعاً الزواج بربيبته كما يحرم عليه الزواج من ابنته. وقد تنبهت بعض الشعوب بفطرتها إلى هذا الأمر، فوُجد مثلاً تقليد لدى القبائل الأفغانية يلتزم فيه الأفغاني بالزواج من أرملة قريبه بعد وفاته؛ حماية للزوجة ولأولادها، سواء كان أعزباً أم متزوجاً، ولذلك كان مما يلفت النظر أثناء الحرب الأفغانية ومع وجود الأعداد الهائلة من الأيتام عدم قيام الحاجة الجدية لإنشاء دُور الأيتام. وصار همّ دُور الأيتام القليلة التي أنشأها بحماس المحسنون أن تتصيّد الأيتام تصيّداً. ولكن أمّ الأيتام في الغالب لا تتزوج إلاّ في مجتمع يكون فيه الطلب على النساء كثيراً والعرض قليلاً، وهذا الوضع لا يتحقق عادة إلاّ في مجتمع يشيع فيه تعدد الزوجات. إن في مثل هذا المجتمع وحده تتاح فرصة الزواج لكل امرأة مهما كان لديها من موانع الرغبة فيها كزوجة؛ مثل أن تكون أرملة مصبية (أي ذات أولاد). وبالعكس فإن المجتمعات التي لا يشيع فيها نظام تعدد الزوجات تكون فيه فرصة الأرامل في الزواج محدودة ، حتى أنه مع مرور الوقت يصبح زواج الأرملة عيباً أو محرماً بحكم التقليد، كما هو الحال في القارة الهندية. معنى ما تقدم أن شيوع تعدد الزوجات في مجتمع ما يجعل الطلب على النساء في ذلك المجتمع كبيراً، فحتى الأرملة ذات الأيتام سوف تجد الرجل المناسب الذي يرغب في زواجها، فإذا تزوجت فاء ظل الأب البديل على أولادها اليتامى ونعموا بالجو الأسري، كأيّ أطفال عاديين لم يصابوا بفقد أبيهم، وبذلك يتحقق في هذا المجتمع الوفاء لليتيم بحقوقه، أو كما جاء في نص الآية الكريمة (الإقساط فيه). وما تقدم يشير إلى معنى أوسع للحكمة من تشريع تعدد الزوجات، فكما شاهدنا، فإن المجتمع الذي يشيع فيه تعدد الزوجات يعمل فيه قانون العرض والطلب وهو قانون طبيعي عمله في أي مجال آخر، فتتاح فيه الفرصة للزواج لكل امرأة، فلا يبقى فيه عوانس، ولا مطلقات، أو أرامل فقدن الأمل في الزواج بعد فقد أزواجهن، وسيعمل هذا القانون الطبيعي - ولا بد - عمله فيؤثر إيجابياً وبصورة ظاهرة على قيمة المرأة في المجتمع، وبالتالي على حريتها، واستيفائها حقوقها، وأن تؤتى ما كتب الله لها، وأن تعامل من قبل الرجل والمجتمع بالعدل، ولعل هذا ما تشير له الآية الكريمة (ذلك أدنى أن لا تعولوا)؛ إذا كان اسم الإشارة راجعاً إلى كل ما تقدمه من تشريع لتعدد الزوجات، فتعدد الزوجات – في نظر المتعمق – يحمي المرأة من الظلم وانتقاص الحق، وهذا مشاهد في الواقع العملي، فالمرأة الإفريقية (جنوب الصحراء) حيث يشيع تعدد الزوجات تتمتع بمركز اجتماعي، وحرية، وقدرة على التصرف بقدر لا يتاح للمرأة في القارة الهندية مثلاً حيث تسود عادة وحدة الزوجة، ففي هذه المجتمعات الأخيرة تولد المرأة ومعها شعور أسرتها بأنه ولد للأسرة عبء مالي إضافي يتمثل في الثمن الباهظ لشراء زوجها عندما تبلغ سن الزواج، إذ على الأب أن يدفع (الجهيز) وتتحدد قيمة (الجهيز) في الغالب بمدى القدرة المالية للأب، أعرف أخاً من جنوب الهند كان موسراً، ولكنه انتهى مفلساً؛ بعد أن دفع (الجهيز) لتزويج بناته التسع، والمسلمون الهنود وحدهم - وبحكم تأثرهم بالعادات الهندية القديمة - توجد عندهم مشكلة تستأثر بقدر كبير من همومهم، هي مشكلة تزويج البنات الفقيرات. ومن الطبيعي أن المرأة الهندية عندما تنجح في الحصول على الزوج؛ فإنها – تحت سلطان شبح الخوف من فقده – سوف تصبر على ظُلمه، وسوف تتغاضى عن مطالبته بحقوقها قِبَله، ولن تستطيع القوانين البشرية – مهما كانت كفاءتها وفعاليتها - مقاومة عمل القوانين الطبيعية. ومن يتابع الصحف اليومية الهندية، وأخبار ما تنشره عن مآسي انتحار الزوجات، أو حرقهن من قبل أزواجهن وأسر أزواجهن؛ بسبب عجز الزوجة عن الوفاء بالتزامها بثمن زواجها (الجهيز)، سوف يرى صورة من صور الظلم الناشئ عن تدني قيمتها بتأثير القانون الطبيعي للعرض والطلب. وعلى العكس، فالمرأة الإفريقية جنوب الصحراء عندما تبلغ سن الزواج تستقبلها أبواب العش الزوجي مشرّعة، وتدخلها مرفوعة الرأس كريمة، سوف يتردد زوجها كثيرا قبل أن يقدم على ظلمها، أو انتقاص حقوقها أو حريتها، لأنه يعلم أنه إذا فارقها فلن تكون أبواب الزواج من جديد موصَدة أمامها، إن قانون العرض والطلب قد رفع قيمتها، وأعطاها القدرة على التصرف والاختيار، وسيكون زوجها أمام علة فاعلة، وسبب واقعي لمعاشرتها بالمعروف، وهذا يفسر أن نسبة الطلاق في مجتمع تعدد الزوجات أدنى منها في مجتمع وحدة الزوجة. هناك بالطبع سبب إضافي لتدني نسبة الطلاق في مجتمع تعدد الزوجات، يرجع إلى أن الرجل (وهو بحكم الطبيعة، وبصرف النظر عن جنسه، أو ثقافته، أو مكانه، أو زمانه) يميل غالباً إلى (التعدد). ولن يجد الزوج نفسه (في مجتمع التعدد) في ظروف تحمله على الطلاق، بسبب رغبته في التعدد (كما يحصل في مجتمع عدم التعدد). وإذا كان الرجل - كحقيقة واقعة - يميل غالباً إلى التعدد، فإن تشريعاً للتعدد - كالتشريع الإسلامي بقيوده وضوابطه - يضمن البديل العادل للمرأة، ولا يجعلها - كما هو الواقع في المجتمعات التي تنكر التعدد المشروع - محرومة من الحماية لحقوقها وحقوق أولادها من ثمرة التعدد، أو محتاجة لتشريع قوانين غير كاملة، وغير مضمونة النفاذ والفعالية. وبعد هذا فإن لصلة تعدد الزوجات (في الحدود وبالقيود التي يرسمها التشريع الإسلامي) بالعدل في جانب المرأة بالنسبة لمفاهيم الحضارة المعاصرة مجالاً للقول، ملخصه: أن رعاية حقوق الإنسان وحمايتها أهم أو من أهم القيم الخلقية في الحضارة المعاصرة (على الأقل نظرياً، وبصرف النظر عن التطبيق الواقعي). يشهد لذلك أنه عندما ظهر إخفاق المعيار الاقتصادي والتكنولوجي في تصنيف البلدان والدول من حيث التقدم والتخلف، جاءت النظرية الحديثة باعتماد معيار مدى رعاية الدولة لحقوق الإنسان؛ لقياس درجتها في سلّم التقدم والحضارة، ونتيجة لذلك فاعتبرت البلدان الاسكندنافية متقدمة في هذا السلّم عن البلدان الأوروبية الأخرى. وكانت فرنسا أول دولة أوروبية تصدر إعلاناً لحقوق الإنسان عام 1789، وفي دستورها عام 1946 أكدت تلك الحقوق، وأضافت إليها حقوقاً أخرى كحق العمل، وحق الانضمام إلى الاتحادات، وحق الإضراب، ولكن للمرأة حقوقاً هي أهم لديها - أو يجب أن تكون أهم لديها - من حق الأحزاب، أو الانضمام إلى الاتحادات، أو حتى العمل. وأعني بذلك حق المرأة في الأمومة، وفي الزواج، وفي أن يكون لها بيت تكون مليكته، والراعية فيه، وتؤدي فيه وظائفها الطبيعية. ووجه أهمية الأمومة للمرأة يتضح من أن علم النفس عندما دخل المعامل والمختبرات على يد علماء النفس السلوكيين ثبت أن غريزة الأمومة أقوى لدى الأنثى من غريرة الجوع ومن غريزة الجنس. أما بالنسبة لأهمية الزواج للمرأة فتظهر عندما نتذكر أن الهدف الذي رسمه القرآن الكريم للزواج أن يسكن الرجل إلى المرأة، والمرأة إلى الرجل، وأن يكون بينهما المودة والرحمة،( وجعل منها زوجها ليسكن إليها )، ( جعل لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة)، ولفظ(ليسكن)،(لتسكنوا)يحمل معاني واسعة تشمل الشعور بالراحة والمتعة والأمن والسلام وما يشبه شعور الطفل عندما تحضنه أمه، وهذا اللفظ بما يحمل من معان لا مرادف له في العربية، وربما لا يوجد له مرادف في اللغات الأخرى، وإذا تحقق هذا الهدف للزواج، فإنه يكون مصدراً للسعادة لا يمكن أن يعوّض بأي أمر آخر اعتاد الناس أن يعتبروه مصدراً لها. وأما بالنسبة لأهمية وجود المكان والجو الأسري الذي تمارس فيه المرأة وظائفها التقليدية التي تتناغم مع طبيعتها ومشاعرها ومواهبها وإحساسها بالجمال، وهو ما يعطي المرأة قدراً كبيراً من الشعور بالاكتفاء الذي هو بدوره أمر ضروري للصحة النفسية وبالنسبة لأهمية ذلك للمرأة، فإن الأمر لا يحتاج إلى تدليل أو إفاضة في الإيضاح. وفي رأي أحد الخبراء؛ أن ظاهرة ظهور بعض أعراض الاختلال النفسي لدى المرأة الخليجية مثل حالات الاكتئاب والقلق والشعور بعدم الاكتفاء راجع إلى تخلي المرأة الخليجية عن ممارسة وظائفها التقليدية في البيت بإسنادها إلى الخادمة، وبذلك يظل الشعور بعدم الاكتفاء، وأن شيئاً – غير محدد – ينقصها في حياتها يلازم المرأة في تفكيرها اللاشعوري، ولا تعرف أن ما ينقصها هو حرمانها من ممارسة الوظائف التقليدية للمرأة. فإذا كانت حقوق المرأة في الأمومة، والزواج، وتمتعها بالجو الأسري الذي تمارس فيه الوظائف التقليدية للمرأة. إذا كانت هذا الحقوق بهذا الخطورة والأهمية للمرأة؛ فإن أي دولة أو مجتمع يحدد ويضيّق فرصتها في الحصول على هذه الحقوق لا يمكن أن يدعي العدل في جانب المرأة ولا العمل لصالحها وسيادتها. وقد وضح فيما سبق أن معارضة الدولة والمجتمع لتعدد الزوجات (بالحدود والضوابط التي رسمها الإسلام) يحدد حتما ويضيق بصورة جدية الفرصة أمام المرأة للحصول على تلك الحقوق، وإذا كان الأمر كما ذكر، فكيف نفسر الصورة السلبية لدى الحضارة المعاصرة لنظام تعدد الزوجات؟ للإجابة على هذا السؤال نلاحظ أمرين
    أبو عبيدة الأثري
    أبو عبيدة الأثري
    مدير


    عدد الرسائل : 642
    الرتبة : تعدد الزوجات لفضيلة الشيخ صالح الحصين حفظه الله Ytyhyig4
    السٌّمعَة : 1
    نقاط : 109
    تاريخ التسجيل : 23/05/2008

    تعدد الزوجات لفضيلة الشيخ صالح الحصين حفظه الله Empty رد: تعدد الزوجات لفضيلة الشيخ صالح الحصين حفظه الله

    مُساهمة من طرف أبو عبيدة الأثري الأربعاء يوليو 16, 2008 12:44 pm

    الأول : يتعلق بالمجتمعات والدول الغربية، من المناسب ذكر قصة معبرة لها دلالتها، فحينما أصدر البرلمان الإنكليزي القانون المشهور بإباحة العلاقات الجنسية الشاذّة، كان هذا الحدث موضوع حديث بيني وبين أحد الأصدقاء، وقد علق عليه بقوله: (ولكنه سيمضي خمسون سنة قبل أن يصدر القانون الإنكليزي قانونا بإباحة تعدد الزواج ) لم يكن صديقي مبالغا فقد مضى حتى الآن على تعليقه خمس وثلاثون سنة، إن ضمير المجتمع في أوروبا يسهل عليه أن يقبل وجود علاقات جنسية خارج نطاق الزواج حتى لو كانت شاذة تحت تأثير قبوله لفكرة الحرية الجنسية، أما نظام تعدد الزوجات فلا يزال جزءاً ثابتاً في الموروث الثقافي الأوروبي، وبعبارة أخرى جزءاً من المعنى القانوني الغامض لعبارة: النظام العام والآداب العامة. وإذا استحضرنا أن الديانة المسيحية - بشكلها الأوربي - عنصر هام من عناصر الموروث الثقافي الأوروبي، واستحضرنا نظرة هذه الديانة للزواج بحدّ ذاته، سهل علينا فهم النظرة السلبية للثقافة الأدبية إلى نظام تعدد الزوجات. والموروثات الثقافية كما هو معروف لا تخضع دائماً للمنطق ولا للمحاكمة العقلية، ولكن على كل حال فهذه النظرة لها مبررات مفهومة وإن كانت غير صحيحة. الثاني : ففي العالم الإسلامي حيث صدرت قوانين في العراق وتركيا وتونس تحرم وتجرّم تعدد الزوجات، فإنه يصعب أن توجد لهذه القوانين مبررات مفهومة إذ أنه حتى فكرة النظام العام والآداب العامة، لا يمكن أن تكون أساساً لهذه القوانين، والموروث الثقافي في هذه البلدان - فضلاً عن أحكام الشريعة - لا يمكن أن يكون مصدراً لهذه القوانين، بل إنه ضدها. وإذاً فما هو التفسير لصدور هذه القوانين في العالم الإسلامي، إذا استثنينا الانتهازية السياسية، النـزق الطائش في تصور العلمانية، والهوى الجامح في التفلت من أحكام الإسلام؛ فإنه يمكن القول بأن الدافع لإصدار تلك القوانين، الخضوع اللاواعي لسلطان الثقافة الأوروبية على عقل المسلم، واعتبار القيم الخلقية الغربية مقاييس حقيقية لما هو صالح وغير صالح دون تمييز بين ما يكون من هذه القيم مؤسَّساً على المنطق والعقل والمصلحة الواقعية، وبين ما هو مؤسَّس على مجرد الموروث الثقافي، والانبهار باصطلاحات الحرية والمساواة وكرامة الإنسان، دون أن يوجد تحديد واضح لمفاهيمها في الذهن. وفي المقابل تعود الغرب على إطلاق ألفاظ وعبارات لها إيحاءات وظلال فكرية مكروهة، مثل: الحريم، واستعباد الرجل للمرأة وتسخيرها لمتعته، والحياة المهينة للمرأة، كما تعود ببغاوات الشرق على ترديد هذه الألفاظ والعبارات. وليس أدل على طغيان سلطان الثقافة الغربية على عقل المسلم في هذا المجال من أنه حتى المدافعون عن الإسلام من الكتّاب الإسلاميين لم يستطيعوا التخلص من هذا الطغيان فنجدهم يدافعون عن تعدد الزوجات بصفة اعتذارية، وكأنهم قد اقتنعوا بأن هذا النظام غير مرغوب فيه وأنهم يودون أنه لم يوجد في تشريع الإسلام. أما وقد وجد؛ فلا حيلة لهم إلاّ التماس المبررات الاعتذارية لوجوده، فهم يسلمون من حيث المبدأ بعين النظرة السلبية لهذا النظام كنظام اجتماعي، ثم يبررون وجوده في الإسلام بأنه نظام استثنائي، وأنه في طريق الانقراض عن حياة المسلمين، وأنه مبرر فقط في ظروف معينة، ثم يحاولون حصر هذه الظروف التي تقوم بها الحاجة الفعلية أو الضرورة لأن يتزوج الرجل على زوجته. وفضلاً عن أنه لا يوجد أساس علمي شرعي لاعتبار نظام تعدد الزوجات (كما هو منظم في الإسلام) نظاماً استثنائياً لا يمكن أن يتسامح الإسلام تجاهه إلا في ظل الظروف وضمن الشروط الواقعية التي تجعله حاجة معتبرة (في تقديرهم)؛ إذ أنه لا النصوص الثابتة ولا تطبيقها من قبل الرعيل الأول من الصحابة والتابعين يشهد لذلك فضلاً عن ذلك. فإنه إذا صحّ ما أوردته -فيما سبق - من حجج عقلية لإثبات أن نظام تعدد الزوجات في ذاته نظام يحقق المصلحة العامة للمجتمع، فقد كان ينبغي لهؤلاء الكتّاب أن يعتبروه نظاماً اجتماعياً صالحاً حقيقاً بأن يعتزَّ به ولا يعتذر عنه. وأن يكون همهم تشجيعه والدعوة إلى إشاعته بدلاً من التنفير عنه، على أنه في الحالات التي لا يكون الدافع فيها وراء القوانين المحرمة لتعدد الزوجات في العالم الإسلامي اتباع ما تهوى الأنفس، فإن الدافع لها اتباع الظن والخضوع للأوهام، بدلاً من البناء على الحقائق وإجراء المحاكمة العقلية للأمور قبل الحكم عليها، ولو حكم المشرعون لتلك القوانين العقل، لأبصروا التناقض العجيب بين تحريم تعدد الزوجات، وإباحة صور من علاقات المتزوجين بنساء خارج نطاق الزوجية، علاقات تشبه العلاقة الزوجية في كل شيء إلا في عدم وجود الإجراء الشكلي لعقد الزواج، والذي كان سيحمي حقوق المرأة وحقوق ثمرة علاقتها بالرجل من الأولاد. ويبرز التناقض عندما يقدم الشخص للمحاكمة بتهمة ارتكابه لجريمة تعدد الزوجات، فتبرئه المحكمة إذا عجز الادعاء العام عن إثبات وجود عقد زواج شرعي في الحالة بحيث يقوم الدليل على أن الحالة حالة زواج يمنعه القانون وليست حالة زنا يبيحها القانون. المشرعون لتلك القوانين يقولون (إنما نحن مصلحون) غايتنا حماية حقوق المرأة وكرامتها وحريتها، ولا (يشعرون) أن هذه القوانين تهيئ الظروف الطبيعية لحرمان المرأة من حقوقها ولتحديد حريتها، واستلاب كرامتها وما كانت القوانين البشرية أبدا قادرة على مغالبة القوانين الطبيعية وإلغاء آثارها لا سيما في مجتمع تتسم فيه الأجهزة المسئولة عن تنفيذ القوانين بالعجز والتخلف كما هو الحال في أغلب المجتمعات فيما يسمى العالم الإسلامي. إن الوهم السائد بأن نظام تعدد الزوجات نظام اجتماعي سيئ وضد مصلحة المجتمع، وقد اخترعه الرجل استجابة لهواه ومتعته، وإنه مظهر لاستعلاء الرجل على المرأة، منتقص لحقوقها مهين لكرامتها سبب لشقائها، والإلحاح على تكرار هذه الأحكام على نظام تعدد الزوجات في الندوات والمؤتمرات ووسائل الإعلام، كل ذلك أوجد لدى الكتّاب الإسلاميين المعاصرين الوحشة تجاه نظام تعدد الزوجات المحكوم بقيود الشرع وضوابطه، دون محاولة منهم للقيام لله، والتفكير والاختبار الموضوعي الحيادي لهذه الأحكام المسبقة على النظام؛ تحديد ما إذا كانت هذه الأحكام نتيجة الأفكار الشائعة السائدة في أذهان الناس وعلى ألسنتهم أو نتيجة للمحاكمة الفعلية، وطلب الحقيقة، والبحث عن المصالح في ضوء الواقع وتجارب الأمم، وعدم الانسياق مع الهوى والعاطفة والشعارات الخادعة. ومعلوم أن شيوع الفكرة وسيادتها ولو كانت وهمية يعطيها من إمكانية الإيمان بها واليقين ما لا تحظى به - في كثير من الأحيان - الحقائق بل يجعلها من المسلمات البديهية التي لا تقبل المراجعة أو التشكيك، ونتيجة لما سبقت الإشارة إليه رأينا الكتابات المعاصرة في الدفاع عن الإسلام تنساق مع الأفكار الوهمية الشائعة عن تعدد الزوجات فتعتبره من حيث المبدأ غير مرغوب فيه، وإنما يكون مشروعاً على وجه الاستثناء، وحيث توجد ظروف معينة تجعله استجابة لحاجة حقيقية وفعلية تبرر الاستثناء وأنه لا ينبغي أن يكون الدافع إليه الرغبة الطبيعية للرجل في الاستمتاع، وحسب علمي القاصر فإنه لا يوجد من نصوص الشرع ما يسند هذا الاتجاه، وهدي الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين - كما يشهد التاريخ الصادق - على خلافه. وإذا صح ما أطلت الجدال فيه والاحتجاج عليه من أن هذا النظام - كما رسمه الشرع الحكيم - نظام اجتماعي صالح، ليس فقط لأن أي بديل عنه - في ضوء دراسة الواقع - ضار بالمجتمع عامل على فساده، بل لأنه يحقق مصلحة المرأة مثل ما يحقق مصلحة الرجل أو أكثر، ويضمن للمرأة العدل والحرية والوفاء بحقوقها الطبيعية. إذا صح ما ذكر فإن هذا النظام سوف يحقق آثاره النافعة بصرف النظر عن دوافع الرجل للزواج، وهذا تماماً مثل الزواج بحد ذاته فهو نظام اجتماعي صالح، بصرف النظر عن العامل النفسي الذي دفع الرجل للزواج. إن نظام تعدد الزوجات - كأي نظام اجتماعي صالح - له بلا شك سلبياته وبعض هذه السلبيات راجع إلى طبيعته، ولكنها حينئذ لا توجب إلغاءه، إلا لو كانت ترجح على إيجابياته، وهذا غير واقع، وبعضها راجع إلى إساءة استعمال البشر، وهذه أيضاً لا تعالج بإلغاء النظام، وإنما بالعمل على حمل البشر على عدم إساءة استعمال النظام، وبناءاً على ما تقدم فإنه ليس من العدل أن يترك الناس للأوهام والأفكار الخرافية حول تعدد الزوجات، ويكون الواجب أن يكشف عن أعينهم غشاوتها، وأن يوعوا بالحقائق عن هذا النظام، وإذا كانت وسائل الإعلام عاجزة عن القيام بدور فاعل في هذا المجال، فإن الجهات المسئولة عن التربية والتعليم – في البلاد الإسلامية- مسئولة عن تضمنها مناهج التعليم ما يميز بين الأوهام والحقائق، في هذا النظام وغيره من الأنظمة الاجتماعية. وعوداً على الكلام على الآية الكريمة الواردة في السؤال وفي ضوء ما سبق فإنه يمكن إبداء الملاحظات التالية: 1. هذه الآية هي الآية الوحيدة والتي تدل بنصها على مشروعية تعدد الزوجات، أما النص الوارد في الآية الأخرى (وأن تجمعوا بين الأختين) في سياق تعدد المحرمات في الزواج فلا تدل بالنص على التعدد، وإنما بمفهوم المخالفة، وكذلك النص الوارد في الآية الأخرى (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) فإنما يدل على wمشروعية التعدد بالإشارة. 2. ورد التعبير عن العدل بثلاث ألفاظ (أن لا تقسطوا)، (أن لا تعدلوا)، (أن لا تعولوا)، والإقساط والعدل وعدم العول متقاربة في المعنى، على أنه ينبغي التمييز في المعنى بين العدل في الأشخاص، والعدل بين الأشخاص، فالعدل في الأشخاص يعني إيفاءهم حقوقهم، والعدل بين الأشخاص يعني التسوية بينهم. والعدل المشروط لإباحة تعدد الزوجات في الآية الكريمة كما يدل كلام المفسرين يعني الأمرين: وجود العزم على التسوية في المعاملة بين الزوجات، ووجود الظن الغالب بقدرة الزوج على ذلك، ثم وجود العزم على الوفاء بما لكل من الزوجات من حقوق الزوجية، ووجود الظن الغالب لدى الزوج بقدرته على ذلك. جاء في تفسير الشيخ ابن سعدي للآية الكريمة. 3. قوله تعالى ( وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى ) قيد غير مراد فلا يعني أنه إن لم يخف الأفراد أو المجتمع الإقساط في الأيتام فلا يجوز لهم تعدد الزوجات، وإنما يقصد به الإشارة إلى أن تعدد الزوجات بديل صالح يوفر الوقاية من ظلم اليتامى وعدم إيفائهم حقوقهم. 4. المنطق الصحيح والواقع العملي يشهدان بأن شيوع تعدد الزوجات في المجتمع يعطي المرأة الفرصة في الزواج مهما كانت الصعوبات والعوائق التي تقف في طريقها إلى الزواج، وبذلك تتوفر الحماية الاجتماعية لأم اليتامى وأولادها، ويتأثر مركز المرأة الاجتماعي إيجابياً فتكون أقدر على الحفاظ على حقوقها وحريتها وضمان معاملتها بالعدل، وعموم لفظ الآية يتضمن أن نظام تعدد الزوجات عامل فاعل في العدل في اليتامى، وإذا كان اسم الإشارة (ذلك أدنى أن لا تعولوا) راجعاً إلى كل ما سبقه فذلك يعني أن هذا النظام عامل فاعل للعدل في النساء من حيث الجملة.



    منقول للفائدة
    avatar
    ابو سهيل السلفي
    حفظه الله


    ذكر عدد الرسائل : 120
    الرتبة : تعدد الزوجات لفضيلة الشيخ صالح الحصين حفظه الله 71196375522cq7
    السٌّمعَة : 0
    نقاط : 6
    تاريخ التسجيل : 11/06/2008

    تعدد الزوجات لفضيلة الشيخ صالح الحصين حفظه الله Empty رد: تعدد الزوجات لفضيلة الشيخ صالح الحصين حفظه الله

    مُساهمة من طرف ابو سهيل السلفي الأربعاء يوليو 16, 2008 2:35 pm

    جزاك الله خيرا على هذه المشاركة الطيبة

      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين نوفمبر 25, 2024 12:30 am