ماهو الدليل على وجوب الكفارة على المرأة في الجماع
في رمضان؟
الفـقه : الشرح الممتع على زاد المستقنع - المجلد
السادس لفضيلة العلامة محمد إبن صالح العثيمين رحمه الله
باب ما يُفسد الصوم ، ويُوجب
الكفارة
فإن قال قائل: ما الدليل على وجوب
الكفارة على المرأة، والنبي صلّى الله عليه وسلّم لم يذكر في هذا الحديث أن
على المرأة كفارة، مع أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يمكن، أي لا يمكن أن يؤخر
النبي صلّى الله عليه وسلّم بيان الحكم مع دعاء الحاجة
إليه؟</b>
فالجواب: أن هذا الرجل استفتى عن فعل نفسه، والمرأة لم تستفت، وحالها تحتمل
أن تكون معذورة بجهل أو إكراه، وتحتمل أن تكون غير معذورة، فلما لم تأت وتستفت سكت
عنها النبي صلّى الله عليه وسلّم ولم يذكر أن عليها كفارة، والفتوى لا يشترطُ فيها
البحث عن حال الشخص الآخر، ولهذا لما جاءت امرأة أبي سفيان للنبي صلّى الله عليه
وسلّم تشتكيه بأنه لا ينفق لم يطلب أبا سفيان ليسأله، بل أذن لها أن تأخذ من ماله
ما يكفيها ويكفي ولدها[(385)].
فإذا قال قائل: ما الدليل
على الوجوب عليها؟ أليس الأصل براءة الذمة؟
فالجواب: الدليل على ذلك
أن الأصل تساوي الرجال والنساء في الأحكام إلا بدليل، ولهذا لو أن رجلاً قذف رجلاً
بالزنى لجلد ثمانين جلدة إذا لم يأت بالشهود، مع أن الآية في النساء {{وَالَّذِينَ
يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ
فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}} [النور: 4]
.
فالمرأة مسكوت عنها فهي قضية عين لا يمكن أن تستدل بها على
انتفاء الوجوب في حق المرأة، ولا على الوجوب ولكن القياس يقتضي أن تكون مثله، فإذا
كان الفعل واحداً وكان موجباً لحد الزنى على المرأة، والحد كفارة للزاني فإنه يلزم
أن يكون موجباً للكفارة هنا، كما يجب على الزوج وهذا هو الأقرب من أقوال أهل العلم،
وبعض العلماء يقول لا كفارة عليها للسكوت عنها في الحديث، وبعضهم يقول: إذا أكرهت
فكفارتها على الزوج لأنه هو الذي أكرهها، ولكن الصواب أنها إذا أكرهت لا شيء
عليها.
فإذا قال قائل: ظاهر كلام المؤلف أنه لو كان الرجل هو المعذور بجهل أو نسيان
فإنّ الكفارة لا تسقط عنه؟
قلنا: نعم هذا ظاهر قوله؛ لقوله: «أو كانت
المرأة معذورة» ففهم منه أنه لو كان الرجل هو المعذور فإنّ الكفارة لا تسقط عنه،
وهذا المشهور من المذهب.
والصحيح أن الرجل إذا كان معذوراً بجهل، أو
نسيان، أو إكراه، فإنه لا قضاء عليه ولا كفارة، وأن المرأة كذلك إذا كانت معذورة
بجهل أو نسيان أو إكراه، فليس عليها قضاء ولا كفارة.
والمذهب أن عليها القضاء، وليس عليها
الكفارة، وهذا من غرائب العلم أن تعذر في أحد الواجبين دون الآخر؛ لأن مقتضى العذر
أن يكون مؤثراً فيهما جميعاً، أو غير مؤثر فيهما جميعاً وقد علمت الصحيح في
ذلك.
مسألة
مهمة: وهي: أن الفقهاء ـ رحمهم الله ـ، قالوا: لا يمكن الإكراه على الجماع من
الرجل، أي: لا يمكن أن يكره الرجل على الجماع؛ لأن الجماع لا بد فيه من انتشار
وانتصاب للذكر، والمكره لا يمكن أن يكون منه ذلك.
فيقال: هذا غير صحيح؛ لأن الإنسان إذا هُدد
بالقتل أو بالحبس أو ما أشبه ذلك، ثم دنا من المرأة فلا يسلم من الانتشار، وكونهم
يقولون هذا غير ممكن نقول: بل هذا ممكن.