شرح
معاني سورة الفاتحة
[(02) شريطان مفرغان]
معاني سورة الفاتحة
[(02) شريطان مفرغان]
علينا لِزاما أنْ نتدبّر هذه السورة العظيمة الجليلة، التي افتتح الله بها كتابه، إذن أيها الإخوان فكلامنا مهما كُرِّر، ومهما كان معروفا في هذه المسائل، فإنما هو لتثبيتها، إذْ هي القضية الأولى، القضية العظمى، والمسألة المهمة، بل هي المسألة الرأس التي بُعث الأنبياء بها؛ توحيد الله بالعبادة، أن لا يعبد إلا الله.
أَعُوذُ بالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (1) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (3) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (4) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (5) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ (6) غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)﴾
بسم الله الرحمن الرحيم
...ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يُضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةٌ أنس بها القلب فحالفها وألفها وصدّ عن من كرهها وخالفها، وأشهد.... ([1]) الذي لم يدع فسادا إلا أصلحه، ولا مُغلَقا من الأمور إلا فتحه، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وعلى صحبه وسلّم تسليما كثيرا.
اللهم إنا نعوذ بك من فتنة المقال، كما نعوذ بك من فتنة الفِعال، ونعوذ بك اللهم من العِيِّ والحَصَر، كما نعوذ بك اللهم من السّلاطة والهذر، فإن في كل منهما أدواء يعزّ لها الطبيب، وتعصي على الرفيق أعني المداوي.
ليتنا حين نقدم لبعض المحاضرات كهذه، ليتنا نُخلي تقديمنا من الثناء في وجه المحاضر أو المتكلم، فإن السلف الصالح رضوان الله عليهم لم يكن هذا من هديهم، إنّ المحبة في القلوب، وإنها وإنْ كانت المحبة التي في القلوب تأبى إلا وأنْ تظهر، لكن الأفضل ألاّ تظهر في وجه من هو لها، لذا قال السلف: اتقوا المدح فإنه الذبح.
اللهم إنا نعوذ بك؛ نعوذ بك أن يؤثر فينا المقال، وإن كان حقا، كما نعوذ بك من أن تلين أنفسُنا إلى المدح، وإن كان صدقا.
حديثُنا الليلة أيها الإخوان الأكارم عن آيات من كتاب الله، نحاول أنْ نلتمس فيها ومنها بعض المعاني، التي تنير القلوب، وتحيي النفوس، وتَلْقَحُ الأفهام، وتنير الأفكار.
كتاب الله -أيها الأخوان- هو الكتاب الذي أنزله الله علينا لنتدبره، أنزله الله علينا لنتفهّم آياته، أنزله الله علينا ليكون لنا عبرة بما فيه، أنزله الله علينا لنأخذ منه كلَّ علومنا صغيرها وكبيرها.
يقول الله جل وعلا ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمْ الْأَوَّلِينَ﴾[المؤمنون:68]، وقال جل وعلا في آية سورة محمد ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾[محمد:24]، وقال جل وعلا في آية النساء ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾[النساء:82]، إذن فحقّ علينا أنْ لا نقرأ القرآن قراءة الأمانيّ؛ قراءة الذين لا يعرفون ما تحت كلماته من المعاني العظيمة؛ المعاني التي لو كانت أُلقيت على الجبال لخرت الجبال هدًّا و لتصدعت الصخور منها، القُرَّاء؛ قُرّاء القرآن قد يكونون كثرة، ولكن من منا يتدبر، من منا يؤثر فيه هذا القرآن كما أثر في ذلك الجيل الكريم؛ جيل الصحابة رضوان الله عليهم، فأثمر فيهم قلوبا؛ قلوبا جاهدت في سبيل الله، نصرت دين الله لم تأخذها في ذلك محبة الأرض ولا محبة النساء ولا محبة الأهل ولا محبة المساكن ولا غير ذلك من المحابّ، تركوا ذلك، تركوا ذلك وتجردوا لنشر هذا الدين، لنشر ما جاء به القرآن.
وإنّ أول سور القرآن هي سورة الفاتحة؛ أمّ القرآن؛ والسبع المثاني التي أوتيها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة أول ما نَزلت، وشُرعت بها قراءة في الصلاة، لا تصح الصلاة إلا أن تُقرأ الفاتحة في كل ركعة من ركعاتها، ثبت في صحيح مسلم بن الحجاج رحمه الله أنّ رسول صلى الله عليه وسلم قال «كلّ صَلاَة لا يَقْرَأْ فِيهَا بفَاتِحَة الكِتَابِ فَهِيَ خِدَاجٌ، خِدَاجٌ، خِدَاجٌ »، فقراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة، الفاتحة التي نكرّرها في كل يوم وليلة أكثر من سبعَ عشرة مرة، هل تدبرنا ما فيها من المعاني؟ أم قرأناها قراءة من يبدؤها يريد إنهاءها ؟ إنه لمن العجب، لمن العجب أنْ نقرأ سورة سبعَ عشرة مرة، ثم لو سألنا سائل: ما المعاني المندرجة في هذه السورة؟ وما التي تفيده هذه السورة، ما الذي يفيده قوله تعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)؟ ما الذي يفيده قوله تعالى (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)؟ ما الذي يفيده قوله تعالى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)؟ إلى غير ذلك من آيات السورة.
إذن أيها الإخوان كان علينا لزاما أنْ نتدبّر هذه السورة العظيمة الجليلة، التي افتتح الله بها كتابه، ونرجو أنْ ينفعنا الله جل وعلا في هذه الليلة ببعض ما ورَّثه لنا علماؤنا الأوائل وسلفنا من المعاني التي اشتملت عليها هذه السورة العظيمة.
إذا أراد القارئ أن يقرأ القرآن شُرِع له أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم كما قال جل وعلا في سورة النحل ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾[النحل:98].
وهذه الكلمة (أَعُوذُ بالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) معناها ألتجئ وأعتصم وألتصق بجناب الله جل وعلا وبالله جل وعلا من شرّ الشيطان. (الرَّجِيمِ) يعني المرجوم؛ المطرود من رحمة الله، ألتجئ بالله وأعتصم من شر الشيطان أنْ يضرني في أمر من أمور ديني، أو أن يضرني في أمور من أمور دنياي.