المقال الذي نشر في جريدة النهار الجديد.
بسم الله الرحمن
الرحيم
منهجُ السّلف الصالح بريء من أعمال دعاة الإرهاب والدمار وإن تسموا باسمه
تدلسا على الخلق.
بقلم الشيخ: أبي عبد الباري عبد الحميد أحمد العربي
الجزائري.
إن مصطلح أهل السنة والجماعة مركب من لفظين؛
لفظ السنة، ولفظ الجماعة، أما بخصوص السنة: فمعناه في اللغة الطريق والسيرة، وفي
الشرع إذا أطلقت فالمراد منها ما صحّ عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من أقوال،
وأفعال، وتقريرات، وصفات شريفة له، وكان يقول الإمام أحمد رحمه الله: السنة عندنا
آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والسنة تشمل جميع كليات الإسلام من عقائد
وأحكام، وهو الهدي الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأنها أصل أصيل
لإقامة الإسلام وتقوية دولته، فلا يمكن لهذا الجيل أن ينصر الإسلام ويدافع عن
خضرائه في خضم الهجمات المتتالية عليه وهو جاهل بسنة محمد صلى الله عليه
وسلم.
والنصوص من القرآن الكريم، وأقوال النبي صلى الله عليه وسلم في وجوب اتباع
سنته كثيرة جدا، أكتفي بهذين الدليلين؛ قوله تعالى في سورة الحشر [وما آتاكم الرسول
فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم من حديث العرباض بن
سارية الذي أخرجه الإمام أبو داود: (...فإنّه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا،
فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها، وعضّوا عليها بالنواجذ،
وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محمدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة).
وأما الجماعة: فهي
ضد الفُرقة، وهم القوم الذين اجتمعوا على أمر من الأمور، وقد عرّف العلماءُ لفظ
الجماعة بعدة تعريفات كلها تصب في قالب واحد، فقد عُرفت بالسواد الأعظم، وعرفت بما
كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وعرفها الإمام الترمذي في جامعه بقوله:
وتفسير الجماعة عند أهل العلم هم: أهل الفقه والعلم والحديث.
والمقصود من مصطلح
أهل السنة والجماعة: هو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والتابعون
لهم بإحسان، ومن سلك سبيلهم، وسار على نهجهم من أئمة الهدى، ومن اقتدى بهم من سائر
الأمة أجمعين في جميع أمور الدين، فيخرج بارك الله فيك بهذا المعنى كل الطوائف
المبتدعة، وأهل الأهواء.
وقبل أن نواصل الحديث أقول: إنّ الذي أعتقده أن الخوارج
الأشرار (أو بمصطلح العصر الإرهابيين) الذين استوطنوا الجبال وشقوا عصا المسلمين،
وهم الآن يسعون في تدمير أوطانهم بالظنون الكاذبة، ويزعمون بهوسهم أنهم يطمحون إلى
إقامة دولة الإسلام في دولة إسلامية قائمة وإن كان فيها نقص منذ 5 جويلية 1962
ميلادية!، أقول: ليسوا من أهل السنة والجماعة، بل هم طوائف ضالة عن الهدى، متنكبة
لسبيل أهل الحقّ، ولا ينفعهم أن يلقبوا أنفسهم بالسلفية القتالية، أو غيرها من
الأسماء الجوفاء، فاختباءهم وراء باب من أبواب الشريعة في حدّ ذاته بدعة، ولا نعلم
من تاريخنا الإسلامي الطويل والعريض أن المجاهدين المدافعين عن حياض دولة الإسلام،
أو لتوسيع رقعتها كانوا يتسمون بباب من أبواب الشريعة، ويهملون جميع الأبواب.
إن
لقب السلفية القتالية مبتدع ولا يجوز أن يروّج له عبر وسائل الإعلام وقد بينا هذا
بوضوح في كتابنا (الأمن وحاجة البشرية إليه) وهو مطبوع ومتداول في الأسواق، ولا بأس
أن نبيّن في هذا الحديث أن هذه الألقاب المحدثة هي من قبيل الحزبية الضيقة التي
تتعارض وسماحة الإسلام، يقول تعالى: آمرا الخلق بالتقرب إليه بجميع ما شرع، وليس
بالقتال فقط فقال: [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ
كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ
مُّبِينٌ].
يقول العلامة ابن كثير في تفسير هذه الآية: (يقول الله تعالى آمرا
عباده المؤمنين المصدقين برسوله؛ أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام وشرائعه، والعمل
بجميع أوامره، وترك جميع زواجره ما استطاعوا من ذلك).
وقال العلاّمة ابن قيّم
الجوزية رحمه الله شارحا لعبارات الهروي رحمه الله في أوصاف أهل المنهج السّوي من
كتابه مدارج السالكين: (العلامة الثانية: قوله: «ولم يُنْسَبُوا إلى اسم»؛ أي لم
يشتهروا باسم يُعرفون به دون النّاس من الأسماء التي صارت أعلاما لأهل الطريق،
وأيضا: فإنّهم لم يتقيدوا بعمل واحد، يجري عليهم اسمه، فيعرفون به دون غيره من
الأعمال، فإنّ هذا آفة في العبودية، وهي عبودية مقيدة. وأما العبودية المطلقة: فلا
يُعرف صاحبُها باسم معيّن من معاني أسمائها، فإنّه مجيب لداعيها على اختلاف
أنواعها، فله مع كلّ أهل عبودية نصيبٌ يضرب معهم بسهم، فلا تقيد برسم ولا إشارة،
ولا اسم ولا بزي، ولا طريق وضعي اصطلاحي، بل إن سئل عن شيخه؟ قال: الرسول صلى الله
عليه وسلم، وعن طريقه؟ قال: الإتباع، وعن خِرقته؟ قال: لباس التقوى، وعن مذهبه؟
قال: تحكيم السنة، وعن مقصوده ومطلبه؟ قال: [يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ]، وعن رباطه
وعن خانكاه؟ قال: [فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا
اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ
تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء
الزَّكَاةِ]، وعن نسبه؟ قال:
أبي الإسلام ولا أب لي سواه**إذا افتخروا بقيس أو تميم.
وعن
مأكله ومشربه؟ قال: (مالك ولها؟ معها حذائها وسقاؤها، ترد الماء وترعى الشجر حتى
تلقى ربها)اهـ.
وقال كذلك رحمه الله في نفس الكتاب: (وقد سئل بعض الأئمة عن
السنّة؟ فقال: ما لا اسم له سوى السنّة. يعني: أن أهل السنة ليس لهم اسم ينتسبون
إليه سواها؛ فمن الناس: من يتقيد بلباس لا يلبس غيره، أو بجلوس في مكان لا يجلس في
غيره، أو مشية لا يمشي غيرها، أو بزي وهيئة لا يخرج عنها، أو عبادة معينة لا يتعبد
بغيرها، وإن كانت أعلى منها، أو شيخ معين لا يلتفت إلى غيره، وإن كان أقرب إلى الله
ورسوله منه، فهؤلاء كلهم محجوبون عن الظفر بالمطلوب الأعلى، مصدودون عنه، قد قيدتهم
العوائد والرسوم، والأوضاع والاصطلاحات عن تجريد المتابعة، فأضحوا عنها بمعزل،
ومنزلتهم عنها أبعد منزل، فترى أحدهم يتعبد بالرياضة والخلوة، وتفريغ القلب، ويعد
العلم قاطعا له عن الطريق، فإذا ذُكر له الموالاة في الله، والمعاداة فيه، والأمر
بالمعروف، والنهي عن المنكر: عدّ ذلك فضولا وشرّا، وإذا رأوا بينهم من يقوم بذلك:
أخرجوه من بينهم، وعدوه غَيراً عليهم، فهؤلاء أبعد النّاس عن الله، وإن كانوا أكثر
إشارة والله أعلم)اهـ.
وعن عبد الرحمن بن مهدي العنبري قال: سُئل مالك بن أنس عن
السنّة، قال: (ما لا اسم له غير السنة، وتلا: [وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا
فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن
سَبِيلِهِ]
وسأل رجلٌ الإمامَ مالك رحمه الله: من أهل السنة يا أبا عبد الله؟
قال: (الذين ليس لهم لقب يعرفون به؛ لا جهمي، ولا رافضي، ولا قدري).
وأقول: إنّ
أهل السنة والجماعة في الجزائر الغراء لا ينتمون لا إلا السلفية القتالية، ولا إلى
القاعدة، ولا إلى الواقفة، ولا إلى الزاحفة!، ولا يجوز لبعض دعاة الفتن أن يزايد
على وطنيتهم وولائهم لوطنهم المسلم من أجل كلمة التوحيد.
إنّ الناظر في التكتلات
الإسلامية المعاصرة، يجد أنّ كلّ حزب من الأحزاب الإسلامية أخذ بجزء من أجزاء
الشريعة وعني به على قصور جلي في معرفة فصوله، فبعضهم اعتنى بالسياسة وجعلها أمَّ
الأصول وضيّع التوحيد وباقي علوم الشريعة، والصنف الآخر اعتنى بالفضائل وضيّع علم
المسائل، وطبقة أخرى رفعت راية الجهاد بجهل مطبق وجعلتها أصل الأصول، لا تعرف من
الشريعة إلا آيات القتال وتقسيم المغانم والفيء، مع أن الشريعة كما قال العلامة
الشاطبي في الاعتصام (2 / 245): (فشأن الراسخين تصور الشريعة صورة واحدة يخدم
بعضُها بعضًا).
فالراسخون في العلم يا أبناء الجزائر يرون أن الجهاد السني
والشريف يخدم الاقتصاد، وأن الاقتصاد يخدم الأمن العام، وأن الأمن العام يخدم
الصلاة والزكاة والحج وحلق العلم...وهكذا، ومن خلال هذه التصديرة ندرك الخلط الذي
يقع فيه بعض الإعلاميين حين يجزئون منهج السلف الصالح إلى منهج قتالي يقولون عنه:
السلفية القتالية، ومنهج علمي يقولون عنه: السلفية العلمية، انطلاقا من الواقع
المرير، هذا غلط واضح، يُمتِّن الشبه في أذهان دعاة الخروج على الحاكم المسلم،
ويعطيهم الشرعية من خلال الاسم في مزاولة أعمالهم الإجرامية، ولقد حيرتني متحدثة
اسمها أظن (نادين بيكوتو) وهي تعلق على فلم وثائقي يتحدث عن الجهاد في أفغانستان
إبان الاجتياح الروسي أذاعته (قناة مدي 1 سات المغربية) حين ركزت بشدة لخبثها على
تجزئة منهج السّلف الصالح إلى قسمين؛ منهج قتالي وهو الذي يتبناه أسامة بن لادن
وجماعته، كأنصار الإسلام في العراق، وشرفاء الأردن في المملكة الهاشمية الأردنية،
والهجرة والجهاد في مصر، والسلفية القتالية أو القاعدة في المغرب الإسلامي في
الجزائر، وإلى سلفية ردكالية جامدة قد تكون أرضا خصبة للصنف الأول، وهذا الخلط في
المفاهيم غيّر الحقائق أولا، وخدم الفرق الضالة الخارجة عن الجماعة ثانيا، وضرب
الإسلام من أساسه ثالثا.
إنّ الذي يجب أن يفهمه المواطن الجزائري بعيدا عن خبط
أبواق الغرب، وتلويسات بعض وسائل الإعلام المغرضة التفريق بين دُعَاةِ الحقِّ أولا:
الذين هم صِدقا على منهج السّلف الصّالح في الأقوال والأعمال؛ ويسعون إلى بناء
أوطانهم بالحكمة والموعظة الحسنة، ويقتفون خُطى الأنبياء في السيّر إلى الله،
وإصلاح ما أفسد النّاس، ويدعون الخلق إلى الحق بأمر الله تعالى، ويطيعون حاكم
البلاد المسلم بالمعروف في طاعة الله ورسوله، ويتناصرون ويتعاونون مع جميع مؤسسات
الدولة؛ المدنية أو العسكرية لازدهار أبناء الوطن، وتنوير عقولهم، ولا يرون بحال
الخروج على حاكم البلاد المسلم، ويردُّون كل فتنة وبلية تهدد أمن البلد، وتضر
بثوابته، ومستعدون أن يبذلوا النفس والنفيس من أجل أن يبقى وطنهم المسلم سالما من
الفتن والإحن، ويجاهدون مع حكامهم لا ضدهم كلّ عدوّ صائل، وهؤلاء هم الذين يصدق
فيهم قولُ الله تعالى في سورة الأنبياء: [وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ
بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ
وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ]، هؤلاء هم أهل السنة والجماعة،
وقل إن شئت: أهل الحديث والأثر، وقل إن شئت: السلفيين حقيقة لا زورا، وهؤلاء هم
الذين يجب على الدولة أن تعتني بهم، وأن تقدمهم، لأنهم صدقا كَنْزُ أمنِها
وعافيتها، وأس وقايتها من الأفكار الهدّامة، وإذا غابوا عن أرض أيّ دولة إسلامية
ظهر فيها الفساد والعلل.
وعلى المواطن الجزائري الحرّ أن يعرف ثانيا: دعاة
الإجرام والفساد والإفساد باسم الدين ومنهج السّلف؛ التائهين في يمّ الشبهات،
والغارقين في مستنقعات أهل الضلال، الذين مِن عَمَاهم تراهم يُغَيِّرون أسماء
تنظيماتهم في كلّ عام مرة أو مرتين أو ثلاثة؛ فمن الجيش الإسلامي، إلى السّلفية
القتالية، إلى القاعدة في المغرب العربي، إلى...إلى.. والذين أخبر الله عن نظرائهم
في سورة القصص فقال: [وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ
الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ
].
بسم الله الرحمن
الرحيم
منهجُ السّلف الصالح بريء من أعمال دعاة الإرهاب والدمار وإن تسموا باسمه
تدلسا على الخلق.
بقلم الشيخ: أبي عبد الباري عبد الحميد أحمد العربي
الجزائري.
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إن مصطلح أهل السنة والجماعة مركب من لفظين؛
لفظ السنة، ولفظ الجماعة، أما بخصوص السنة: فمعناه في اللغة الطريق والسيرة، وفي
الشرع إذا أطلقت فالمراد منها ما صحّ عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من أقوال،
وأفعال، وتقريرات، وصفات شريفة له، وكان يقول الإمام أحمد رحمه الله: السنة عندنا
آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والسنة تشمل جميع كليات الإسلام من عقائد
وأحكام، وهو الهدي الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأنها أصل أصيل
لإقامة الإسلام وتقوية دولته، فلا يمكن لهذا الجيل أن ينصر الإسلام ويدافع عن
خضرائه في خضم الهجمات المتتالية عليه وهو جاهل بسنة محمد صلى الله عليه
وسلم.
والنصوص من القرآن الكريم، وأقوال النبي صلى الله عليه وسلم في وجوب اتباع
سنته كثيرة جدا، أكتفي بهذين الدليلين؛ قوله تعالى في سورة الحشر [وما آتاكم الرسول
فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم من حديث العرباض بن
سارية الذي أخرجه الإمام أبو داود: (...فإنّه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا،
فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها، وعضّوا عليها بالنواجذ،
وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محمدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة).
وأما الجماعة: فهي
ضد الفُرقة، وهم القوم الذين اجتمعوا على أمر من الأمور، وقد عرّف العلماءُ لفظ
الجماعة بعدة تعريفات كلها تصب في قالب واحد، فقد عُرفت بالسواد الأعظم، وعرفت بما
كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وعرفها الإمام الترمذي في جامعه بقوله:
وتفسير الجماعة عند أهل العلم هم: أهل الفقه والعلم والحديث.
والمقصود من مصطلح
أهل السنة والجماعة: هو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والتابعون
لهم بإحسان، ومن سلك سبيلهم، وسار على نهجهم من أئمة الهدى، ومن اقتدى بهم من سائر
الأمة أجمعين في جميع أمور الدين، فيخرج بارك الله فيك بهذا المعنى كل الطوائف
المبتدعة، وأهل الأهواء.
وقبل أن نواصل الحديث أقول: إنّ الذي أعتقده أن الخوارج
الأشرار (أو بمصطلح العصر الإرهابيين) الذين استوطنوا الجبال وشقوا عصا المسلمين،
وهم الآن يسعون في تدمير أوطانهم بالظنون الكاذبة، ويزعمون بهوسهم أنهم يطمحون إلى
إقامة دولة الإسلام في دولة إسلامية قائمة وإن كان فيها نقص منذ 5 جويلية 1962
ميلادية!، أقول: ليسوا من أهل السنة والجماعة، بل هم طوائف ضالة عن الهدى، متنكبة
لسبيل أهل الحقّ، ولا ينفعهم أن يلقبوا أنفسهم بالسلفية القتالية، أو غيرها من
الأسماء الجوفاء، فاختباءهم وراء باب من أبواب الشريعة في حدّ ذاته بدعة، ولا نعلم
من تاريخنا الإسلامي الطويل والعريض أن المجاهدين المدافعين عن حياض دولة الإسلام،
أو لتوسيع رقعتها كانوا يتسمون بباب من أبواب الشريعة، ويهملون جميع الأبواب.
إن
لقب السلفية القتالية مبتدع ولا يجوز أن يروّج له عبر وسائل الإعلام وقد بينا هذا
بوضوح في كتابنا (الأمن وحاجة البشرية إليه) وهو مطبوع ومتداول في الأسواق، ولا بأس
أن نبيّن في هذا الحديث أن هذه الألقاب المحدثة هي من قبيل الحزبية الضيقة التي
تتعارض وسماحة الإسلام، يقول تعالى: آمرا الخلق بالتقرب إليه بجميع ما شرع، وليس
بالقتال فقط فقال: [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ
كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ
مُّبِينٌ].
يقول العلامة ابن كثير في تفسير هذه الآية: (يقول الله تعالى آمرا
عباده المؤمنين المصدقين برسوله؛ أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام وشرائعه، والعمل
بجميع أوامره، وترك جميع زواجره ما استطاعوا من ذلك).
وقال العلاّمة ابن قيّم
الجوزية رحمه الله شارحا لعبارات الهروي رحمه الله في أوصاف أهل المنهج السّوي من
كتابه مدارج السالكين: (العلامة الثانية: قوله: «ولم يُنْسَبُوا إلى اسم»؛ أي لم
يشتهروا باسم يُعرفون به دون النّاس من الأسماء التي صارت أعلاما لأهل الطريق،
وأيضا: فإنّهم لم يتقيدوا بعمل واحد، يجري عليهم اسمه، فيعرفون به دون غيره من
الأعمال، فإنّ هذا آفة في العبودية، وهي عبودية مقيدة. وأما العبودية المطلقة: فلا
يُعرف صاحبُها باسم معيّن من معاني أسمائها، فإنّه مجيب لداعيها على اختلاف
أنواعها، فله مع كلّ أهل عبودية نصيبٌ يضرب معهم بسهم، فلا تقيد برسم ولا إشارة،
ولا اسم ولا بزي، ولا طريق وضعي اصطلاحي، بل إن سئل عن شيخه؟ قال: الرسول صلى الله
عليه وسلم، وعن طريقه؟ قال: الإتباع، وعن خِرقته؟ قال: لباس التقوى، وعن مذهبه؟
قال: تحكيم السنة، وعن مقصوده ومطلبه؟ قال: [يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ]، وعن رباطه
وعن خانكاه؟ قال: [فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا
اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ
تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء
الزَّكَاةِ]، وعن نسبه؟ قال:
أبي الإسلام ولا أب لي سواه**إذا افتخروا بقيس أو تميم.
وعن
مأكله ومشربه؟ قال: (مالك ولها؟ معها حذائها وسقاؤها، ترد الماء وترعى الشجر حتى
تلقى ربها)اهـ.
وقال كذلك رحمه الله في نفس الكتاب: (وقد سئل بعض الأئمة عن
السنّة؟ فقال: ما لا اسم له سوى السنّة. يعني: أن أهل السنة ليس لهم اسم ينتسبون
إليه سواها؛ فمن الناس: من يتقيد بلباس لا يلبس غيره، أو بجلوس في مكان لا يجلس في
غيره، أو مشية لا يمشي غيرها، أو بزي وهيئة لا يخرج عنها، أو عبادة معينة لا يتعبد
بغيرها، وإن كانت أعلى منها، أو شيخ معين لا يلتفت إلى غيره، وإن كان أقرب إلى الله
ورسوله منه، فهؤلاء كلهم محجوبون عن الظفر بالمطلوب الأعلى، مصدودون عنه، قد قيدتهم
العوائد والرسوم، والأوضاع والاصطلاحات عن تجريد المتابعة، فأضحوا عنها بمعزل،
ومنزلتهم عنها أبعد منزل، فترى أحدهم يتعبد بالرياضة والخلوة، وتفريغ القلب، ويعد
العلم قاطعا له عن الطريق، فإذا ذُكر له الموالاة في الله، والمعاداة فيه، والأمر
بالمعروف، والنهي عن المنكر: عدّ ذلك فضولا وشرّا، وإذا رأوا بينهم من يقوم بذلك:
أخرجوه من بينهم، وعدوه غَيراً عليهم، فهؤلاء أبعد النّاس عن الله، وإن كانوا أكثر
إشارة والله أعلم)اهـ.
وعن عبد الرحمن بن مهدي العنبري قال: سُئل مالك بن أنس عن
السنّة، قال: (ما لا اسم له غير السنة، وتلا: [وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا
فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن
سَبِيلِهِ]
وسأل رجلٌ الإمامَ مالك رحمه الله: من أهل السنة يا أبا عبد الله؟
قال: (الذين ليس لهم لقب يعرفون به؛ لا جهمي، ولا رافضي، ولا قدري).
وأقول: إنّ
أهل السنة والجماعة في الجزائر الغراء لا ينتمون لا إلا السلفية القتالية، ولا إلى
القاعدة، ولا إلى الواقفة، ولا إلى الزاحفة!، ولا يجوز لبعض دعاة الفتن أن يزايد
على وطنيتهم وولائهم لوطنهم المسلم من أجل كلمة التوحيد.
إنّ الناظر في التكتلات
الإسلامية المعاصرة، يجد أنّ كلّ حزب من الأحزاب الإسلامية أخذ بجزء من أجزاء
الشريعة وعني به على قصور جلي في معرفة فصوله، فبعضهم اعتنى بالسياسة وجعلها أمَّ
الأصول وضيّع التوحيد وباقي علوم الشريعة، والصنف الآخر اعتنى بالفضائل وضيّع علم
المسائل، وطبقة أخرى رفعت راية الجهاد بجهل مطبق وجعلتها أصل الأصول، لا تعرف من
الشريعة إلا آيات القتال وتقسيم المغانم والفيء، مع أن الشريعة كما قال العلامة
الشاطبي في الاعتصام (2 / 245): (فشأن الراسخين تصور الشريعة صورة واحدة يخدم
بعضُها بعضًا).
فالراسخون في العلم يا أبناء الجزائر يرون أن الجهاد السني
والشريف يخدم الاقتصاد، وأن الاقتصاد يخدم الأمن العام، وأن الأمن العام يخدم
الصلاة والزكاة والحج وحلق العلم...وهكذا، ومن خلال هذه التصديرة ندرك الخلط الذي
يقع فيه بعض الإعلاميين حين يجزئون منهج السلف الصالح إلى منهج قتالي يقولون عنه:
السلفية القتالية، ومنهج علمي يقولون عنه: السلفية العلمية، انطلاقا من الواقع
المرير، هذا غلط واضح، يُمتِّن الشبه في أذهان دعاة الخروج على الحاكم المسلم،
ويعطيهم الشرعية من خلال الاسم في مزاولة أعمالهم الإجرامية، ولقد حيرتني متحدثة
اسمها أظن (نادين بيكوتو) وهي تعلق على فلم وثائقي يتحدث عن الجهاد في أفغانستان
إبان الاجتياح الروسي أذاعته (قناة مدي 1 سات المغربية) حين ركزت بشدة لخبثها على
تجزئة منهج السّلف الصالح إلى قسمين؛ منهج قتالي وهو الذي يتبناه أسامة بن لادن
وجماعته، كأنصار الإسلام في العراق، وشرفاء الأردن في المملكة الهاشمية الأردنية،
والهجرة والجهاد في مصر، والسلفية القتالية أو القاعدة في المغرب الإسلامي في
الجزائر، وإلى سلفية ردكالية جامدة قد تكون أرضا خصبة للصنف الأول، وهذا الخلط في
المفاهيم غيّر الحقائق أولا، وخدم الفرق الضالة الخارجة عن الجماعة ثانيا، وضرب
الإسلام من أساسه ثالثا.
إنّ الذي يجب أن يفهمه المواطن الجزائري بعيدا عن خبط
أبواق الغرب، وتلويسات بعض وسائل الإعلام المغرضة التفريق بين دُعَاةِ الحقِّ أولا:
الذين هم صِدقا على منهج السّلف الصّالح في الأقوال والأعمال؛ ويسعون إلى بناء
أوطانهم بالحكمة والموعظة الحسنة، ويقتفون خُطى الأنبياء في السيّر إلى الله،
وإصلاح ما أفسد النّاس، ويدعون الخلق إلى الحق بأمر الله تعالى، ويطيعون حاكم
البلاد المسلم بالمعروف في طاعة الله ورسوله، ويتناصرون ويتعاونون مع جميع مؤسسات
الدولة؛ المدنية أو العسكرية لازدهار أبناء الوطن، وتنوير عقولهم، ولا يرون بحال
الخروج على حاكم البلاد المسلم، ويردُّون كل فتنة وبلية تهدد أمن البلد، وتضر
بثوابته، ومستعدون أن يبذلوا النفس والنفيس من أجل أن يبقى وطنهم المسلم سالما من
الفتن والإحن، ويجاهدون مع حكامهم لا ضدهم كلّ عدوّ صائل، وهؤلاء هم الذين يصدق
فيهم قولُ الله تعالى في سورة الأنبياء: [وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ
بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ
وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ]، هؤلاء هم أهل السنة والجماعة،
وقل إن شئت: أهل الحديث والأثر، وقل إن شئت: السلفيين حقيقة لا زورا، وهؤلاء هم
الذين يجب على الدولة أن تعتني بهم، وأن تقدمهم، لأنهم صدقا كَنْزُ أمنِها
وعافيتها، وأس وقايتها من الأفكار الهدّامة، وإذا غابوا عن أرض أيّ دولة إسلامية
ظهر فيها الفساد والعلل.
وعلى المواطن الجزائري الحرّ أن يعرف ثانيا: دعاة
الإجرام والفساد والإفساد باسم الدين ومنهج السّلف؛ التائهين في يمّ الشبهات،
والغارقين في مستنقعات أهل الضلال، الذين مِن عَمَاهم تراهم يُغَيِّرون أسماء
تنظيماتهم في كلّ عام مرة أو مرتين أو ثلاثة؛ فمن الجيش الإسلامي، إلى السّلفية
القتالية، إلى القاعدة في المغرب العربي، إلى...إلى.. والذين أخبر الله عن نظرائهم
في سورة القصص فقال: [وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ
الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ
].