أسئلة وأجوبة مهمة في علوم الحديث
للشيخ المحدث العلامة ربيع بن هادي المدخلي
الحلقة الأولى
للشيخ المحدث العلامة ربيع بن هادي المدخلي
الحلقة الأولى
هل يحكم على الروايات التاريخية بموازين أهل الحديث
السؤال: أحسن الله إليكم بعض العلماء عندما يورد قصة من قصص السلف ويكون فيها ضعف فيقول : باب السِيَر نتسامح فيه فما هو الضابط في هذا ؟
الجواب : الضابط فيها القضايا التاريخية يجب أن يحكم عليها بموازين ومقاييس أهل الحديث , خاصة إذا كانت تتعلق بالصحابة , تتعلق ببعض العلماء , تمسّ بمكانتهم فلابدّ فيها من التثبت بدراسة الأسانيد والحكم عليها في ضوء هذه الدراسة , لكن مثل الأحداث , المعركة الفلانية , المعركة الفلانية وقع فيها كذا وكذا ,وما فيها- يعني - ما تمسّ الأشخاص هذه تُمَشّى , لكن عند التدقيق و كذا و كذا , إذا سئلت : صحيح أو ليس بصحيح ؟ تقول ما تعرفه من الحقّ , , تدرس و تبيّن .
أمّا فلان جهمي , فلان معتزلي – بارك الله فيك – تذكر لك قصّة عن فلان وهو معروف بالسنّة قال: وقع في الاعتزال , وقع في كذا , لابدّ من التثبت , يذكر لك صحابي و يقول لك : حصل له كذا وكذا , لابدّ من التثبت - بارك الله فيكم -
أنا أعرف أنّ التأريخ يعني نهض به أهل البدع أكثر من أهل السنّة ,ثم جاء ابن جرير وغيره ينقل عن ابن مخنف وفلان وفلان من الروافض ومن هؤلاء الضالين الكذابين , فيحتاج الأمر إلى التحرّي والتثبت .
السؤال : هل عدم اشتراط العدالة والضبط يعم رواة التاريخ وما حكم رواية المستشرقين له جزاكم الله خيرا ؟
الجواب : العدالة والضبط يشترطان في كل نقل ؛في التاريخ ,في السنة ,في أحوال الناس
في كل نقل ,ولا نقبل أيّ خبر إلا إذا توفرت شروط العدالة والضبط في النقل .
أما التاريخ ,خاصة إذا كان يتناول الصحابة أو يتناول علماء الإسلام الذين حرم الله دماءهم وأعراضهم وأموالهم فلا نقبل كلّ ما هبّ ودبّ ,ولا نقبل نقول المستشرقين .
لكن إذا حققوا لنا كتابا ندرسه وننظر أمانته ؛لأنهم أهل دسٍّ وخبث ,فننظر هل نقلوا من أصول صحيحة ,هل اعتمدوا على أصول صحيحة ,فإذا عرفنا هذا فنقبل هذا الكتاب لا لأنه من مستشرق ,وإنما لأنه كتاب فلان وتوثقنا وتأكدنا أن هذا الكتاب لفلان ,لأن هذه الأصول موجودة عند غير هذا المستشرق - والحمد لله - .
وبعض الناس يقول : الروايات التاريخية لا يطبق عليها منهج المحدثين ! هذا ليس بصحيح هذا غلط ؛لأن في المؤرخين كذابين ,فيهم روافض ولهم أهداف سيّئة ويلصقون المثالب بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم وخيار الناس ,فلا نقبل منهم أبدا إلا بالأسانيد الصحيحة - بارك الله فيكم - .
حكم المعلقات في الصحيحين
السؤال : يا شيخ بالنسبة للمعلقات في البخاري ومسلم يعني يذكر أهل العلم : أنّ ما بين البخاري ومن علق إليه يكون ثابتا ثم ينظر في السند من بعد من علق إليه , طيّب
بالنسبة للمعلقات التي ما وجدنا من وصلها كيف يكون التعامل معها ؟
الجواب : المعلقات في البخاري بعض الناس يعتقدون أنّ كل ما علّقه بصيغة الجزم فهو صحيح إلى ذلك المعلق عنه, وما علّقه بصيغة التضعيف فهو ضعيف ,لكن الحافظ ابن حجر العليم بهذه الأمور أكثر من غيره يرى أنّ فيما روي بصيغة الجزم قد يكون فيه الضعيف و ضرب لذلك أمثلة ,وما روي بصيغة التمريض قد يكون فيه الصحيح ,وتكون روايته له بصيغة التمريض لا من أجل ضعفه و إنّما لأجل أنّه رواه بالمعنى ,أو تصرف فيه هذا فيما يتعلق بالمعلقات في البخاري . و أثبتوا له في الصحة إلى من علق عنه هذا الأثر
ويبقى النظر في من بعد هذا .
وتعرفون أنّ الحافظ رحمه الله في فتح الباري يصل بعض المعلقات وفي » تغليق التعليق « يصل بعض المعلقات ,وأنا أقول بناء على هذه القاعدة لا أذكر الآن حديثاً عجز الحافظ عن تغليقه ,ما أذكر, لكن لو فرض أنّه عجز عن تغليقه ,فيكون حكمه حكم المراسيل
والمقاطيع وما شاكل ذلك يحكم عليها بالضعف ,لأننا لماذا نحكم على المرسل بالضعف
والمنقطع ؟ للجهل بحال الراوي , الساقط هذا قد يكون ثقة وقد يكون ضعيفا وقد يكون كذّابا إلى آخره , فنجهل حاله فلا نحكم له بالصحة إلاّ إذا عرفنا حال راويه وأنّه من
الثقات أو على الأقلّ ممّن تقبل روايته كراوي الحسن وما شاكل ذلك , إذا لم نجد فلا يكلّف الله نفسا إلاّ وسعها , نمشي على هذه القواعد ونعامله كمعاملة المراسيل ونحكم
عليه بالضعف .
السائل: الإشكال هو أن ابن الصلاح قبل ابن حجر لماّ ذكر المعلقات هذه قال : بالنسبة لما ذكره البخاري بصيغة الجزم فإنّنا نحكم بالصحة إلى من علّقه عنه , قال : تحسيناً للظنّ بالبخاري فاستشكلت أنا على المدرس قلت له يعني إنّما قلنا : إنّه صحيح بناءً على أنّ البخاري يرى أنّه ثقة عنده و يشكل على هذا أنّه قد يقول بعض الأئمّة مثلا حدثي الثقة لكن لا نقبل بهذا حتى نعرف من هو هذا الثقة .
الجواب : هو كذلك , وأنتم تعرفون أنّ الدار قطني ناقشه في أحاديث لاهي معلقة
ولاهي مرسلة بل موصولة الأسانيد ومع ذلك أعلّها , وإن كان قد يكون الغالب أن الصواب مع البخاري ومع مسلم ,لكن قد يصيب أحيانا .
ولهذا يقال : أحاديث الصحيحين تفيد العلم اليقيني أو القطعي لتلقي الأمّة لها بالقبول إلاّ الأحاديث التي انْتُقِدت ؛ انتقدها الدار قطني و غيره فإنّ هذه ليس لها حكم تلك الأحاديث التي تُلُقِيَت بالقبول وإن كان فيها الصحيح ,لكن لا نعطيها حكم الأحاديث التي جزمت الأمّة بصحتها .
حكم الأحاديث التي تلقتها الأمة بالقبول
السؤال : ما المراد بقولهم في كتب العلم: ( تلقّته الأمّة بالقبول ) فما المراد بهذه العبارة ؟
الجواب : المراد بهذه العبارة : أنّ هذا النص أو هذا الكتاب مثل البخاري ومسلم تلقتهما الأمّة برضًا و بطمأنينة وانشراح صدر وأنّ الرسول صلّى الله عليه وسلَّم قد قال هذه الأحاديث التي نقلها إلينا مثل البخاري ومسلم بالأسانيد الصحيحة من البخاري
ومسلم إلى نبي الله صلّى الله عليه وسلَّم , وَثِقوا بها واطْمَأنّوا بصحتها وسلامتها فَقَبِلوها
وبنوا عليها عقائدهم و عباداتهم و أحكامهم و معاملاتهم هذا معنى القبول ؛القبول ضد الرد والرفض ,الحديث إذا كان موضوعا نرده ونرفضه ,وإذا كان ضعيفا ما نقبله , نتوقف فيه إن كان من الطبقة الوسطى التي تقبل التقوية ,ونردّه ردّا إذا كان من فاحش الغلط أو متّهم بالكذب أو ما شاكل ذلك , فهذا القبول يقابل ذلك الردّ .
فعلى الوجه نقول: إنّ تلقّي الأمّة بالقبول لحديث ما معناه أنّها آمنت به ودانت به وأنّ الرسول صلّى الله عليه وسلَّم قد قاله وأنّ هذا النص قد ثبت عنه .
وهذا يا إخوتاه قائم على أصل وهو قبول الأخبار ولو كانت آحادا إذا جاءتنا عن طريق الثقات عن الثقات إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم و هذا منهج أهل السنة و الجماعة وهو منهج الصحابة و منهج من تبعهم بإحسان ومنهج أئمّة الهدى بخلاف أئمة الضلال من المعتزلة والخوارج و الروافض وغيرهم فإنّ منهجهم يختلف في تلقّي الأخبار ,حتى أحيانا أخبار متواترة قد يردونها بحجة أنّها أخبار آحاد وأحيانا يتأولون نصوص القرآن القطعية فيخالفون رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم وصحابته الكرام ومن سار على منهجهم في تلقي مثل أحاديث الصفات وغيرها من العقائد .
يقولون : النص لابدّ أن يكون قطعيّ الثبوت , قطعيّ الدلالة , فإذا كان قطعي الثبوت قطعي الدلالة تلقيناه بالقبول وبنينا عليه عقائدنا وإذا كان قطعيّ الثبوت ظنّي الدلالة فإننّا لا نأخذ بهذه الدلالة الظنّية في عقائدنا , فيتأولون صفات الله عزَّ وجلَّ من العلو والنزول و المجيء والرضا والغضب وما شاكل ذلك بهذه التّرهات الضّالة والعياذ بالله التي أملاها الشيطان على أهل الأهواء .
فأهل السنة والجماعة يقبلون أخبار الآحاد وأخبار الصحيحين فيها الكثير من المتواترات
وفيها أحاديث من الآحاد , هذه الآحاد تلقّاها أفذاذ العلماء وأئمّتهم بالقبول واطمأنّوا إلى أنّ الرسول صلّى الله عليه وسلَّم قد قالها ,لأنّها جاءتهم عن طريق مصادر موثقّة وعن أئمّة ثقات فتلقّوها ,لم يتلقوها تلقي الخرافيين وأهل البدع . تلقي الخرافي البدع ترّهات
وحكايات و منامات توافق أهواءهم فيقبلونها ويبنون عليها دينهم , أهل السنّة ليسوا كذلك , اشترطوا لقبول الحديث شروطا ولله الحمد تضمن لهم سلامة العقيدة وسلامة المنهج – بارك الله فيك – و سلامة المسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى فلا يقبلون الحديث إلاّ إذا رواه العدول عن العدول عن العدول إلى الرسول صلّى الله عليه وسلَّم , رواية عدل تامّ الضبط متّصل السند غير معلل ولا شاذّ , وعلى هذا الأصل بنوا تلقّي الأخبار ومنها ما هو متواتر فتلقوه بالقبول ومنها ما جاء من طريق الآحاد الثقات فهذا أيضا تلقوه بالقبول وبنوا عليه عقائدهم وعباداتهم ومعاملاتهم .
السؤال : أحسن الله إليكم القصة إذا اشتهرت عند أهل السنة وتلقوها على أنها ثابتة مثل قصة خالد القسري مع عدم ثبوت الإسناد .
الجواب : هذه القصة - والله أعلم - ليس فيها كذاب ولا متهم ,نعم في بعض رواتها شيء من الضعف ,ثم تلقاها العلماء بالقبول ونصروا بها السنة ,فمثل هذه تمشي ,والحديث الضعيف إذا تلقته الأمة بالقبول ينجبر ويجب العمل به ؛لأن الأمة لا تجتمع على ضلالة .
ويقول الحافظ ابن حجر : ( التلقي بالقبول أقوى من مجرد كثرة الطرق ) ؛يعني كثرة الطرق توصل الحديث إلى العزيز إلى المشهور وإلى المتواتر ,لكن الحافظ يقول : ( التلقي بالقبول أقوى من مجرد كثرة الطرق ) .
ومن ميزات الصحيحين : التزامهما أولاً بالصحة ,وثانيا : تلقي الأمة لهما بالقبول والحكم لأحاديثهما بالصحة .
السؤال : بالنسبة لبعض الأحاديث تجدها ضعيفة لكن يقول بعض العلماء تلقتها الأمّة بالقبول ما حكم هذه الأحاديث يا شيخ ؟
الجواب : تكلمنا على هذه المسألة من أول الأمر ,وأنّ الحديث الضعيف إذا تلقته الأمّة بالقبول فإنّه يجب العمل به ,لأنّ الأمّة لا تجتمع على ضلالة ,مثل يعني الماء الذي تقع فيه النجاسة هل ينجس أو لا ؟ إذا تغير طعمه أو لونه أو ريحه كثيرا كان أو قليلا فهو نجس بإجماع الأمّة .
عدل سابقا من قبل طالبة الجنة في الإثنين أكتوبر 06, 2008 1:33 am عدل 1 مرات