الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده... أما بعد:
فهذهرسالة في بيان فضل العشر الأواخر من رمضان، وما يستحب فيها من الأعمال، وكيف كانحال النبي في هذه العشر؟ وفيها بيان لليلة القدر وفضل العمل فيها مع بيان أسبابمغفرة الذنوب في رمضان.
وقد اخترناها من كتاب( لطائف المعارف فيما لمواسم العام منالوظائف)للحافظ ابن رجب الحنبلي، وقد سميناها ( العشرالأواخر من رمضان)نسأل الله تعالى أن ينفع بهاالمسلمين، وأن يهدينا جميعاً إلى الحق والدين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
عنعائشة رضي الله عنها، قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخلالعشر شدّ مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله» وفي رواية: «أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجد، وشدالمئزر» [رواه البخاري ومسلم].
عنعائشة رضي الله عنها، قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخلالعشر شدّ مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله» وفي رواية: «أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجد، وشدالمئزر» [رواه البخاري ومسلم].
الأعمال الخاصة بالعشر الأواخر من رمضان
كانالنبي صلى الله عليه وسلم يخص العشر الأواخر من رمضان بأعمال لا يعلمها في بقيةالشهر:
فمنها:إحياء الليل؛ فيحتمل أن المراد إحياء الليل كله، ففي حديث عائشة قالت: «كان النبي صلىالله عليه وسلم يخلط العشرين بصلاة ونوم، فإذا كان العشر - يعني الأخير - شمّر وشدّالمئزر» [رواه أحمد]. ويحتمل أن يريد بإحياءالليل إحياء غالبه، ويؤيده ما في صحيح مسلم عن عائشة، قالت: «ما أعلمه قامليلة حتى الصباح» .
ومنها:أنالنبي صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله للصلاة في ليالي العشر دون غيره منالليالي،قالسفيان الثوري: " أحب إليّ إذا دخل العشر الأواخرأن يتهجد بالليل، ويجتهد فيه، ويُنهض أهله وولده إلى الصلاة إن أطاقوا ذلك. وقد صحعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يطرق فاطمة وعلياً ليلاً فيقول لهما: «ألا تقومانفُتصليان» [رواه البخاري ومسلم].
وكانيوقظ عائشة بالليل إذا قضى تهجده وأراد أن يُوتر. وورد الترغيب في إيقاظ أحدالزوجين صاحبه للصلاة، ونضح الماء في وجهه. وفي الموطأ أن عمر بن الخطاب كان يصليمن الليل ما شاء الله أن يصلي، حتى إذا كان نصف الليل أيقظ أهله للصلاة،يقول لهم: " الصلاة الصلاة "، ويتلو هذه الآية: {وَأْمُرْأَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:132].
وكانت امرأة أبي محمد حبيب الفارسي تقول لهبالليل: " قد ذهب الليل وبين أيدينا طريق بعيد،وزادنا قليل، وقوافل الصالحين قد سارت قدامنا، ونحن قد بقينا ".
يانائماً بالليل كم ترقد *** قم ياحبيبي قد دنا الموعد
وخُذ من الليل وأوقاته *** ورِداً إذا ما هجع الرّقد
من نام حتى ينقضي ليله *** ثم يبلغ المنزل أويجهد
ومنها:أنالنبي صلى الله عليه وسلم كان يشدّ المئزر. واختلفوا في تفسيره ؛ فمنهم من قال: هوكناية عن شدة جدِّه واجتهاده في العبادة، وهذا فيه نظر، والصحيح أن المراد اعتزالهللنساء، وبذلك فسره السلف والأئمة المتقدمون منهم سفيان الثوري، وورد تفسيره بأنهلم يأوِِ إلى فراشه حتى ينسلخ رمضان. وفي حديث أنس رضي الله عنه: «وطوى فراشه،واعتزل النساء».
وقد قالطائفة من السلف في تفسير قوله تعالى:{فَالآنَبَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ} [البقرة:187]: " إنه طلب ليلة القدر. والمعنى في ذلك أن الله تعالى لما أباح مباشرة النساء في ليالي الصيام إلى أن يتبينالخيط الأبيض من الخيط الأسود، أمر مع ذلك بطلب ليلة القدر؛ لئلا يشتغل المسلمون فيطول ليالي الشهر بالاستماع المباح، فيفوتهم طلب ليلة القدر، فأمر مع ذلك بطلب ليلةالقدر بالتهجد من الليل، خصوصاً في الليالي المرجو فيها ليلة القدر، فمن ها هنا كانالنبي يصيب من أهله في العشرين من رمضان، ثم يعتزل نساءه ويتفرغ لطلب ليلة القدر فيالعشر الأواخر ".
ومنها:تأخيره للفطور إلى السحر: رُوي عنه من حديث عائشة وأنس رضي الله عنهما أنه كان فيليالي العشر يجعل عشاءه سحوراً. ولفظ حديث عائشة رضي الله عنها: «كان رسول اللهصلى الله عليه وسلم إذا كان رمضان قام ونام، فإذا دخل العشر شدّ المئزر، واجتنبالنساء، واغتسل بين الأذانين، وجعل العشاء سحوراً» [رواه ابن أبي عاصم]. وعن أبي سعيدالخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: «لا تواصلوا، فأيكم أراد أن يواصل فليواصلإلى السحر»، قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله؟قال: «إني لستكهيئتكم، إني أبيت لي مُطعم يُطعمني وساقٍ يسقيني» [رواه البخاري].
وظاهر هذا يدلعلى أنه كان يواصل الليل كله، وقد يكون إنما فعل ذلك لأنه رآه أنشط له على الاجتهادفي ليالي العشر، ولم يكن ذلك مضعفاً له عن العمل؛ فإن الله كان يطعمه ويسقيه.
ومنها: اغتساله بين العشاءين، وقد تقدم من حديث عائشةرضي الله عنها: «واغتسل بين الأذانين»والمراد: أذان المغرب والعشاء،قال ابن جرير: " كانوا يستحبون أن يغتسلوا كل ليلة من لياليالعشر الأواخر ". وكان النخعي يغتسل في العشر كل ليلة، ومنهم من كان يغتسل ويتطيبفي الليالي التي تكون أرجى لليلة القدر. وكان أيوب السختياني يغتسل ليلة ثلاثوعشرين وأربع وعشرين، ويلبس ثوبين جديدين، ويستجمرويقول: " ليلة ثلاث وعشرين هي ليلة أهل المدينة، والتي تليها ليلتنا، يعني البصريين ".
فتبين بهذا أنه يستحب في الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر التنظفوالتزين، والتطيب بالغسل والطيب واللباس الحسن، كما يشرع ذلك في الجُمع والأعياد. وكذلك يُشرع أخذ الزينة بالثياب في سائر الصلوات، ولا يكمل التزين الظاهر إلا بتزينالباطن بالتوبة والإنابة إلى الله تعالى، وتطهيره من أدناس الذنوب؛ فإن زينة الظاهرمع خراب الباطن لا تغني شيئاً.
ولا يصلح لمناجاة الملوك في الخلوات إلا منزين ظاهره وباطنه وطهرهما، خصوصاً ملك الملوك الذي يعلم السر وأخفى، وهو لا ينظرإلى صوركم، وإنّما ينظر إلى قلوبكم وأعماكم، فمن وقف بين يديه فليزين له ظاهرهباللباس، وباطنه بلباس التقوى.
إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقوى *** تقلبعُرياناً وإن كان كاسياً
ومنها:الاعتكاف، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كانيعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى. وفي صحيح البخاري عن أبي هريرةرضي الله عنه،«كان رسول الله يعتكف في كل رمضان عشرة أيام،فلما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين». وإنما كان يعتكف النبي صلى الله عليه وسلم في هذه العشر التي يُطلب فيها ليلةالقدر، قطعاً لأشغاله، وتفريغاً لباله، وتخلياً لمناجاة ربه وذكره ودعائه.
فالمعتكف قد حبس نفسه على طاعة الله وذكره، وقطع عن نفسه كل شاغل يشغلهعنه، وعكف بقلبه وقالبه على ربه وما يقربه منه، فما بقى له هم سوى الله وما يُرضيهعنه. وكما قويت المعرفة والمحبة له والأنس به أورثت صاحبها الانقطاع إلى الله تعالىبالكلية على كل حال.
كانالنبي صلى الله عليه وسلم يخص العشر الأواخر من رمضان بأعمال لا يعلمها في بقيةالشهر:
فمنها:إحياء الليل؛ فيحتمل أن المراد إحياء الليل كله، ففي حديث عائشة قالت: «كان النبي صلىالله عليه وسلم يخلط العشرين بصلاة ونوم، فإذا كان العشر - يعني الأخير - شمّر وشدّالمئزر» [رواه أحمد]. ويحتمل أن يريد بإحياءالليل إحياء غالبه، ويؤيده ما في صحيح مسلم عن عائشة، قالت: «ما أعلمه قامليلة حتى الصباح» .
ومنها:أنالنبي صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله للصلاة في ليالي العشر دون غيره منالليالي،قالسفيان الثوري: " أحب إليّ إذا دخل العشر الأواخرأن يتهجد بالليل، ويجتهد فيه، ويُنهض أهله وولده إلى الصلاة إن أطاقوا ذلك. وقد صحعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يطرق فاطمة وعلياً ليلاً فيقول لهما: «ألا تقومانفُتصليان» [رواه البخاري ومسلم].
وكانيوقظ عائشة بالليل إذا قضى تهجده وأراد أن يُوتر. وورد الترغيب في إيقاظ أحدالزوجين صاحبه للصلاة، ونضح الماء في وجهه. وفي الموطأ أن عمر بن الخطاب كان يصليمن الليل ما شاء الله أن يصلي، حتى إذا كان نصف الليل أيقظ أهله للصلاة،يقول لهم: " الصلاة الصلاة "، ويتلو هذه الآية: {وَأْمُرْأَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:132].
وكانت امرأة أبي محمد حبيب الفارسي تقول لهبالليل: " قد ذهب الليل وبين أيدينا طريق بعيد،وزادنا قليل، وقوافل الصالحين قد سارت قدامنا، ونحن قد بقينا ".
يانائماً بالليل كم ترقد *** قم ياحبيبي قد دنا الموعد
وخُذ من الليل وأوقاته *** ورِداً إذا ما هجع الرّقد
من نام حتى ينقضي ليله *** ثم يبلغ المنزل أويجهد
ومنها:أنالنبي صلى الله عليه وسلم كان يشدّ المئزر. واختلفوا في تفسيره ؛ فمنهم من قال: هوكناية عن شدة جدِّه واجتهاده في العبادة، وهذا فيه نظر، والصحيح أن المراد اعتزالهللنساء، وبذلك فسره السلف والأئمة المتقدمون منهم سفيان الثوري، وورد تفسيره بأنهلم يأوِِ إلى فراشه حتى ينسلخ رمضان. وفي حديث أنس رضي الله عنه: «وطوى فراشه،واعتزل النساء».
وقد قالطائفة من السلف في تفسير قوله تعالى:{فَالآنَبَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ} [البقرة:187]: " إنه طلب ليلة القدر. والمعنى في ذلك أن الله تعالى لما أباح مباشرة النساء في ليالي الصيام إلى أن يتبينالخيط الأبيض من الخيط الأسود، أمر مع ذلك بطلب ليلة القدر؛ لئلا يشتغل المسلمون فيطول ليالي الشهر بالاستماع المباح، فيفوتهم طلب ليلة القدر، فأمر مع ذلك بطلب ليلةالقدر بالتهجد من الليل، خصوصاً في الليالي المرجو فيها ليلة القدر، فمن ها هنا كانالنبي يصيب من أهله في العشرين من رمضان، ثم يعتزل نساءه ويتفرغ لطلب ليلة القدر فيالعشر الأواخر ".
ومنها:تأخيره للفطور إلى السحر: رُوي عنه من حديث عائشة وأنس رضي الله عنهما أنه كان فيليالي العشر يجعل عشاءه سحوراً. ولفظ حديث عائشة رضي الله عنها: «كان رسول اللهصلى الله عليه وسلم إذا كان رمضان قام ونام، فإذا دخل العشر شدّ المئزر، واجتنبالنساء، واغتسل بين الأذانين، وجعل العشاء سحوراً» [رواه ابن أبي عاصم]. وعن أبي سعيدالخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: «لا تواصلوا، فأيكم أراد أن يواصل فليواصلإلى السحر»، قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله؟قال: «إني لستكهيئتكم، إني أبيت لي مُطعم يُطعمني وساقٍ يسقيني» [رواه البخاري].
وظاهر هذا يدلعلى أنه كان يواصل الليل كله، وقد يكون إنما فعل ذلك لأنه رآه أنشط له على الاجتهادفي ليالي العشر، ولم يكن ذلك مضعفاً له عن العمل؛ فإن الله كان يطعمه ويسقيه.
ومنها: اغتساله بين العشاءين، وقد تقدم من حديث عائشةرضي الله عنها: «واغتسل بين الأذانين»والمراد: أذان المغرب والعشاء،قال ابن جرير: " كانوا يستحبون أن يغتسلوا كل ليلة من لياليالعشر الأواخر ". وكان النخعي يغتسل في العشر كل ليلة، ومنهم من كان يغتسل ويتطيبفي الليالي التي تكون أرجى لليلة القدر. وكان أيوب السختياني يغتسل ليلة ثلاثوعشرين وأربع وعشرين، ويلبس ثوبين جديدين، ويستجمرويقول: " ليلة ثلاث وعشرين هي ليلة أهل المدينة، والتي تليها ليلتنا، يعني البصريين ".
فتبين بهذا أنه يستحب في الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر التنظفوالتزين، والتطيب بالغسل والطيب واللباس الحسن، كما يشرع ذلك في الجُمع والأعياد. وكذلك يُشرع أخذ الزينة بالثياب في سائر الصلوات، ولا يكمل التزين الظاهر إلا بتزينالباطن بالتوبة والإنابة إلى الله تعالى، وتطهيره من أدناس الذنوب؛ فإن زينة الظاهرمع خراب الباطن لا تغني شيئاً.
ولا يصلح لمناجاة الملوك في الخلوات إلا منزين ظاهره وباطنه وطهرهما، خصوصاً ملك الملوك الذي يعلم السر وأخفى، وهو لا ينظرإلى صوركم، وإنّما ينظر إلى قلوبكم وأعماكم، فمن وقف بين يديه فليزين له ظاهرهباللباس، وباطنه بلباس التقوى.
إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقوى *** تقلبعُرياناً وإن كان كاسياً
ومنها:الاعتكاف، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كانيعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى. وفي صحيح البخاري عن أبي هريرةرضي الله عنه،«كان رسول الله يعتكف في كل رمضان عشرة أيام،فلما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين». وإنما كان يعتكف النبي صلى الله عليه وسلم في هذه العشر التي يُطلب فيها ليلةالقدر، قطعاً لأشغاله، وتفريغاً لباله، وتخلياً لمناجاة ربه وذكره ودعائه.
فالمعتكف قد حبس نفسه على طاعة الله وذكره، وقطع عن نفسه كل شاغل يشغلهعنه، وعكف بقلبه وقالبه على ربه وما يقربه منه، فما بقى له هم سوى الله وما يُرضيهعنه. وكما قويت المعرفة والمحبة له والأنس به أورثت صاحبها الانقطاع إلى الله تعالىبالكلية على كل حال.