5- حكمة الصيام:
قال الله - تعالى -:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) لقد بنى الله دين الإسلام على شرائع وعبادات وفرائض وواجبات، أقامها على دعائم من الخير وقواعد من البر تفيد أهلها في الدنيا، وتنفعهم في العقبى، وتسعدهم في الدنيا والآخرة، وإن أعظم تلكم الشرائع وأجلها بعد الشهادتين والصلاة والزكاة، هو صوم شهر رمضان المبارك، الذي جعله الله فريضة على هذه الأمة ووسيلة عظمى لتقواه، كما قال - تعالى-: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ إلى قوله: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ فالله - تعالى - لم يشرع الصوم لحاجته إليه، كلا، بل هو الغني الحميد، الكامل في ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله، فلا يحتاج إلى أحد، ولا يحتاج إلى شيء، بل كل شيء فقير بذاته إليه، وهو الغني بالذات عن جميع الأشياء، وعن جميع المخلوقات.
فالله - تعالى - شرع الصيام ليكون وسيلة عظمى لتقواه سبحانه، وتقوى الله جماع خيري الدنيا والآخرة، وهي وصية الله للأولين والآخرين، كما قال - تعالى-: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّه)َ وتقوى الله سبب في تفريج الكربات، وكفاية الله لعبده ما أهمه من أمور دينه ودنياه، وسبب في تيسير الرزق الحلال للعبد من حيث لا يحتسب العبد، قال الله - تعالى -:( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) فالمتوكل على الله قد اتقى الله، والصائم من المتقين، وقد قال - تعالى -:( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) وتقوى الله سبب في تيسير أمور العبد: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا وتقوى الله سبب في تكفير السيئات وإعظام الأجور وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ومن اتقى الله قذف الله في قلبه نورا يفرق به بين الحق والباطل وكفَّر سيئاته وغفر ذنبه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ .
فالله - تعالى - شرع الصيام لصالح المسلمين شرعه تربية للأجسام، وترويضا لها على الصبر ، وتحمل الآلام، شرعه تقويما للأخلاق، وتهذيبا للنفوس، وتعويدا لها على ترك الشهوات ومجانبة المنهيات، شرعه ليعلمنا- نحن المسلمين - تنظيم معاشنا، وتوحيد أمورنا، شرعه ليبلونا أينا أحسن عملا: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ شرع الصيام ليكون وسيلة للتقوى: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ .
لقد أودع الله في الصوم من الحكم والأسرار والمصالح الدينية والدنيوية ما هو فوق تصور البشر، ورتب عليه - تعالى- من جزيل الثواب وعظيم الجزاء، ما لو تصورته نفس صائمة لطارت فرحا وغبطة، وتمنت أن تكون السنة كلها رمضان لتبقى دوما مُمتَّعة بهذا الروح والريحان.
فالواجب على العبد أن يؤدي الصيام بإخلاص ورغب ورهب وصبر وطواعية، وانشراح صدر، محفوظا عن كل ما يشينه، أو يجرحه، أو ينقص ثوابه. فإن الصائم يترك المحبوب من الشهوات لرضا المحبوب الخالق سبحانه، فالصيام نعمة كبرى، به تكفر الذنوب، وترفع الدرجات، وبه يقهر العبد الشيطان بتضييق مجاري الطعام والشراب؛ لأنه يجري مع الشهوات من ابن آدم مجرى الدم، وهي تضعف بالصوم، وبالصوم تقوى صلة العبد بربه؛ لأنه عمل خفي، وكلما كان العمل خفيًّا كان أقرب إلى الإخلاص.
ومن حكم الصيام وأسراره أن يكون عونًا للعبد على طاعة الله، فيجتهد في فعل الخيرات واجتناب المحرمات: فمن لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه .
ومن حكم الصيام الصحة في الأبدان، ويُروى: صوموا تصحُّوا ومن حكم الصيام تذكُّر الغني الأكباد الجائعة من الفقراء والمساكين والمعوزين، كما قال بعض السلف لما سئل عن حكمة الصوم فقال: ليذوق الغني طعم الجوع حتى لا ينسى الفقير، وهذه من حكم الصيام.
وبالجملة: فالصيام شُرع تعبُّدًا لله وخضوعا لأمره، وتعظيما له -سبحانه- ليتحلى المسلم بالتقوى، التي هي فعل الأوامر، وترك المحارم، فالصوم الحقيقي ليس هو مجرد الإمساك عن الطعام والشراب والتمتع الجنسي فحسب، بل هو مع ذلك أداء للواجبات، وترك للمحرمات وحفظ للجوارح عن السيئات، حفظ للعينين عن النظر المحرم، وللسان عن الفحش والكذب والسباب والغيبة والنميمة وقول الزور، وحفظ للأذن عن سماع المحرمات، وحفظ لليدين عن السرقة والغصب والغش والإيذاء والإعتداء، وحفظ للرجلين عن المشي بهما إلى ما حرم الله، وحفظ للقلب عن الغل والحقد والحسد والبغضاء والاعتقاد الباطل، وحفظ للفرج عما حرم الله، وجماع ذلك تقوى الله ومراقبته في السر والعلن كما قال ربنا سبحانه: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ والمعنى: كتب عليكم الصيام، كما كتب على الذين من قبلكم لتقوى الله، فلله در الصيام أن كان بهذه المثابة، ولله الحمد والشكر على نعمه التي لا تعد، ولا تحصى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
http://www.haraer.cc/vb/showthread.php?t=2876
عدل سابقا من قبل أبو حارثة الأثري الجزائري في الأربعاء أغسطس 27, 2008 1:16 pm عدل 1 مرات (السبب : مجرد تعديل بارك الله فيكم)