(بيان أنواع العلوم و المناهج المتبعة للوصول إلى الحقائق )
الواجب على كل باحث عن الحقيقة أن بخط إليها منهجا علميا لا يشوبه الظن و الوهم ، و أن يلتزم بالقواعد المسلوكة الموصلة إليها ، و اندفاع المسلم إلى ذلك مصحوبة بشعور منه بأن ذلك واجب شرعي عليه ، و لا سيما إذا كان فيما له تعلق بالآيات و الأحاديث ، و موضوع أي بحث إما أن يكون ( خبرا) منقولا ، أو ( دعوى ) مزعومة ، فالمنهج العلمي يقضي في (الخبر المنقول )بحصر تحقيق صحة نسبته إلى قائله ، و إزاحة ما يمكن أن يكون مثاراً للدخيلة و الاحتمال عنه ، فإن زال ذلك ، ترتب عليه حقيقة علمية معينة ، و أما مع وجود الاحتمال و الظن ، فإنه لا يرقى أن يكون حقيقة مسلمة أو مقبولة ن كما هو شأن المستدلين بما سبق التنويه عليه قريبا.
و المنهج العلمي يقضي ـ أيضا ت فيما هو ( دعوى ) بالتوجه إلى ( نوع الدليل) الذي يناسبها ، فالدعاوى المتعلقة بطبائع الأشياء المادية و جو هرها تحتاج إلى دليل علمي تجريبي محسوس ، و الدعاوى المتعلقة بالمجردات؛ كالأرقام ن و النفس ، و المنطق ، و تحتاج إلى براهينها القانونية المسلمة، و الدعاوى المتعلقة بالحقوق و الأمور القضائية فيما يقع فيه خلاف بين المتنازعين لا ينفع معها إلا البينات و الحجج المتفق على ضرورة ارتباطها معها ، و هكذا لا تصبح الدعاوى حقائق علمية ثابتة إلا بعد أن يقترن بها الدليل الذي يناسبها ن فالدليل في غير هذا الحال ليس له أية قيمة علمية .
و رحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية ؛ فإنه قال في كتابه (( الاستغاثة و الرد على البكري )) (2/228-629) بعد كلام : (( و العلم شيئان : إما نقل مصدق، و ما سوى ذلك فهذيان مزوق ،و كثير من كلام هؤلاء هو من هذا القسم ، من الهذيان / فما يوجد منه من نقل فمنه ما لا يتميز صحيحه عن فاسده، و فيه ما لا ينقله على وجهه ن و منه ما يضعه في غير موضعه ، و أما بحثه و استدلاله على المطلوب عمن العجائب، فلا يتحقق جنس الأدلة حتى يتميز بين ما يدل و ما لا يدل ن و لا مراتب الأدلة حتى يقدم الراجح على المرجوح إذا تعارض دليلان ))، و قال : (( و قد قيل :( إنما يفسد الناس نصف متكلم ن و نصف فقيه ، و نصف نحوي ، و نصف طبيب ، هذا يفسد الأبدان ، و هذا يفسد البلدان ، و هذا يفسد اللسان ، و هذا يفسد الأبدان ) ، و لا سيما إذا خاض في مسألة لم يسبق لها عالم و لا معه فيها نقل عن أحد ، و لا هي من مسائل النزاع بين العلماء فيختار أحد القولين ، بل هجم فيها على ما يخالف دين الرسول المعلوم بالضرورة عن رسول الله عليه السلام )).
و بناء عليه ؛ فإذا ربط الحديث بأحداث على طريقة لا انسجام بينهما ن و لا تعلق للدليل بالحادثة أو القضية المبحوثة إلا الاحتمال و الظن رجم بالغيب ، ولعب على العقول ، و خروج عن المنهج العلمي الصحيح ، و هذا الذي نقله بكل طمأنينة عن الأبحاث و النشرات و الكتب التي فيها إثارة و لف نظر من خلال عناوين براقة جذابة تصادف رغبة مركزة في النفس لاستشراف شيء من الغيب بمعرفة ما سيحصل ، و لا سيما عند حصول الآلام و النكبات و الأزمات بمستقبل بلد أو شعب ما.
و ما لم نحرص على المنهج العلمي الذي نوّهنا به سابقا ؛ فإننا سنبقى في تخبُّط ، و نعِّرض نصوص الوحي إلى التكذيب ، أو الاستهزاء ، أو الانتقاص ، أو التغير و التبديل .
التهذيب الحسن لكتاب العراق في أحادث و أثار الفتن
لشيخ أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان (ــــ صـ 323)
لشيخ أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان (ــــ صـ 323)